بحث هذه المدونة الإلكترونية

يجب مراعاة مبادئ حقوق الإنسان في قانون الأحوال الشخصية للايزيدية



سبق أن اشرنا في مقالة سابقة لنا بأنه ( في عام 1947 صدر قانون تنظيم المحاكم المدنية رقم 32 الذي اوجب على الأديان و الطوائف الدينية غير الإسلامية الموجودة في العراق وهي اليهودية والمسيحية والايزيدية والصابئة، أن تدون الأحكام والقواعد الفقهية الخاصة بها وان تقوم بنشرها تحت إشراف وزارة العدل خلال مدة ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون، وبناءاً عليه فقد قامت بعض الطوائف المسيحية بنشر أحكامها في الوقائع العراقية بالعدد (2855) في 6/7/1950 كذلك بالنسبة لليهودية حيث تم نشر أحكامها بالعدد (2698) في 31/1/ 1949 وأودعت الأحكام الفقهية للصابئة المندائيين لدى وزارة العدل، أما الايزيدية فلم يقوموا بنشر أو تدوين أحكام الأحوال الشخصية الخاصة بهم).
نظراً لعدم وجود قانون للأحوال الشخصية خاص بالايزيدية, ولحاجتنا الماسة إلى هذا القانون ولحدوث العديد من المشاكل التي ترافق تطبيق قانون الأحوال الشخصية العراقي على الايزيديين, ونظراً لخصوصية الديانة الايزيدية خاصة من ناحية المحرمات الدينية والزواج والطلاق والميراث, ولوجود بعض العادات والتقاليد القديمة التي يستند عليها الايزيدية في قضايا أحوالهم الشخصية, لكل هذه الأسباب فقد طالبنا منذ عام 2001 ,ومعنا العديد من رجال القانون الايزيديين, بضرورة إعداد مسودة لمشروع هذا القانون . وبالفعل تم الانتهاء من المسودة وتم تقديمها للهيئة الإدارية لمركز لالش \ دهوك, وتم مناقشتها في عدة جلسات بمقر المركز وبحضور مجموعة من الحقوقيين الايزيديين بالإضافة إلى أعضاء الهيئة الإدارية وأعضاء لجنة إعداد المشروع, كما تم نشر المسودة في العددين (13 و 14 ) من جريدة (صوت لالش) ومن ثم شارك العديد من الزملاء المحامين والحقوقيين في طرح آرائهم وملاحظاتهم من خلال مقالات نشروها في جريدة صوت لالش أو من خلال المواقع الايزيدية على شبكة الانترنيت وغيرها من وسائل الإعلام . وفيما بعد طالبنا بضرورة إعادة الحياة لهذا المشروع الذي تم إهماله. وقامت الهيئة العليا لمركز لالش بتوجيه نداء إلى السادة: سمو الأمير تحسين بك - فضيلة بابا شيخ - السادة أعضاء المجلس الروحاني ورجال الدين الأفاضل والسادة الأعضاء الإيزيديون في الجمعية الوطنية العراقية السابقة والبرلمان الكردستاني و كافة المراكز و الجمعيات والثقافية الإيزيدية الموقرة في داخل العراق و خارجه والسادة الحقوقيين والمحامين الإيزيديين والسادة الباحثين والكتاب من الإيزيديين وغير الإيزيديين والى كافة السادة المهتمين بالشأن الإيزيدي لإغناء المسودة بآرائهم وملاحظاتهم، كما قامت هذه الهيئة مشكورة بإعادة نشر مشروع القانون في العدد (46) من جريدة صوت لالش .
وقد استبشرنا خيراً عندما سمعنا بان اللجنة الاستشارية للمجلس الروحاني تعمل على إعداد مسودة للقانون , وبتاريخ 23-11-2007 اصدر ( مكتب المجلس الروحاني الأعلى ) إعلانا أو بياناً تحت عنوان استفتاء موجه إلى رؤساء ووجهاء و مختاري ومثقفي العشائر الايزيدية, حول قيام المكتب بإعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية للايزيدية وان هناك بعض المواد التي تحتاج إلى استفتاء الرأي حولها .
ونود هنا أن نبين ملاحظاتنا على الموضوع :
أولا – وردت في (الاستفتاء) عبارة (أوشكنا إكمال مشروع قانون الأحوال الشخصية للايزيدية).
لا نعرف ما المقصود بالضبط من ذكر تلك العبارة ؟ فإذا كان المقصود من نشر هذا الإعلان هو استفتاء الآراء , فإنها بالتأكيد تعتبر حالة ايجابية وديمقراطية عندما يتم الاستفتاء على هذا المشروع قبل إقراره, ولكننا نعتقد بان الآلية التي اتبعت في استفتاء آراء المجتمع حول المشروع لم تكن آلية موفقة , فهذا موضوع مهم وحساس, وكان من الأفضل إتباع آلية أخرى أكثر دقة يتم من خلالها جمع آراء اكبر قدر ممكن من الأشخاص وخاصة المهتمين بهذا الموضوع , عليه نقترح أن يتم نشر المشروع في وسائل الإعلام لكي يطلع عليها الجميع ولكي يتمكنوا أن يدلوا بآرائهم حولها وبعدها يتم عقد مؤتمر لمناقشة الموضوع من قبل الاختصاصيين والمهتمين. وذلك لإبعاد الشكوك بان هناك محاولة لتمرير المشروع دون اخذ رأي المجتمع حوله, وبالتأكيد فان العديد من مواد المشروع تحتاج إلى المناقشة واستفتاء الآراء حولها, وليس فقط موضوعي الميراث والمهر.
ثانياً - إن البيان أو الإعلان موجه إلى (رؤساء ووجهاء ومختاري ومثقفي العشائر الايزيدية) . فمن سوف يقوم بعملية الاستفتاء وعقد الندوات ؟
ومع احترامنا وتقديرنا للجميع نقول: إن هذه المهمة هي ليست مهمة (رؤساء ووجهاء و مختاري العشائر الايزيدية) بل هي مهمة جهات أخرى لعل من أبرزها رجال القانون ومنظمات المجتمع المدني, حيث إن رجال القانون هم ذوي الاختصاص في هذا المجال, وان أول من طالب بضرورة أعداد قانون للأحوال الشخصية الايزيدية هم الحقوقيين ورجال القانون كونهم هم الذين يدركون ويقدرون أهمية وضرورة القيام بهذا العمل, ولم نسمع يوما أن شخصا آخر بادر أو فكر بهذا الموضوع. وإلا لماذا لم يقم الايزيدية طوال السنين الماضية بإعداد قانون خاص بهم؟؟ رغم إن الأديان الأخرى في العراق قد قامت بإعداد ونشر أحكام الأحوال الشخصية الخاصة بهم .
ثالثاً - ورد في الإعلان بان تاريخ صدوره هو 23-11-2007 في حين تم نشر الإعلان في بعض مواقع الانترنت في 28 من الشهر نفسه, وورد في نهاية الإعلان ما يلي:( يرجى أجراء استفتاء أو عقد ندوة موسعة في قراكم أو مجمعاتكم وإرسال الإجابة إلى مكتب المجلس الروحاني/ الشيخان في موعد أقصاه 14/12/2007 أي عيد الصوم.)
والسؤال الذي يطرح نفسه, هل إن الفترة من تاريخ نشر الإعلان إلى يوم 14/12/2007 هي فترة كافية لإجراء الاستفتاء أو عقد ندوات في القرى والمجمعات الايزيدية ؟؟ نعتقد جازمين بان الفترة المذكورة هي فترة قصيرة ولا تتناسب مع أهمية هذا الموضوع المهم والمصيري بالنسبة لكافة الايزيدية.
رابعا – موضوع الميراث :
لقد ذكرنا في بداية موضوعنا هذا بان احد الأسباب التي دفعتنا إلى المطالبة بضرورة إعداد مسودة لقانون الأحوال الشخصية هو وجود بعض الأعراف والتقاليد البالية في مجتمعنا, لعل من أبرزها هو العرف القاضي بعدم استحقاق البنت حصة من الميراث.. ولكن ,وللأسف الشديد, فقد نسمع ونقرا بانه في وقتنا الحاضر لايزال هناك أناس مؤيدين لهذا العرف.
لذلك نقول : إننا نعيش الآن في القرن الحادي والعشرين ويجب أن يكون تفكيرنا منسجما مع مبادئ العصر الحالي, فليس من العدالة والإنصاف أن نحرم نصف المجتمع من حقوقه, خاصة وان كافة إعلانات ومعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان تنص وتؤكد على المساواة بين الجنسين وتحرم التمييز لأي سبب كان, كما إن قانون الأحوال الشخصية العراقي يعطي للبنت حصة من الميراث. لذلك لابد أن نعمل على إزالة هذه الأعراف والتقاليد البالية والتي تعتبر تمييزا ضد المرأة وتعتبر إجحافا صارخا بحقها, وتعتبر مخالفة لكافة معاهدات حقوق الإنسان.
وأخيرا نقول بان تطور الشعوب يقاس بتطور قوانينها , ويجب أن لا ننسى بأنه عندما يسن قانون ما فانه يجب دراسة كافة أبعاده والتفكير بالآثار والنتائج التي تترتب على تطبيقه , وعندما أمضينا سنينا طوال في المطالبة بضرورة إعداد هذا القانون فلم يكن الهدف هو مجرد كتابة القانون بل كان الهدف أن يكون قانوناً تراعى فيه مبادئ حقوق الإنسان, فليست العبرة في أن يكون لنا قانون خاص للأحوال الشخصية بل العبرة أن يكون قانوناً عصرياً.

المحامي ديندار جيجو شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني
السويد
24 – 12 - 2007

ليست هناك تعليقات: