بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجينوسايد ... الجريمة ضد الانسانية



بمناسبة الذكرى الأليمة لعمليات الانفال السيئة الصيت وفاجعة حلبجة والهجرة المليونية عام 1991 .

الجينوسايد ... الجريمة ضد الانسانية


الجينوسايد تعني القتل الجماعي او الابادة الجماعية لشعب او اقلية او طائفة ما وقلعها من جذورها من مختلف النواحي كما انها تعني القتل والتطهير العرقي والفناء الجماعي . وقد ظهر مصطلح (جينوسايد) في قاموس القتل الجماعي بعد عمليات(هولوكوست ) أي الحرق الجماعي لليهود على يد النازيين في المانيا حينما اعتبروا اليهود قمل دون مستوى البشر ، والمتمدنون من سكان البارغواي اعتبروا السكان السود الاصليين فئران مسعورة والبيض في جمهورية جنوب افريقيا اعتبروا السود الاصليين قردة (المصدر : جارد دايموند – صعود وسقوط الشمبانزي الثالث – ترجمة عبد الخالق حسين .)
ان التاريخ الانساني مليء بالاحداث والنكبات التي تعرضت لها الشعوب خلال الحروب المختلفة في العالم وبالنظر لبشاعة وهول هذه الجرائم اللانسانية فقد داءب المجتمع الدولي على مكافحتها والحد منها وخصوصاً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الامم المتحدة حيث اعتمدت الجمعية العامة عدة اتفاقيات اعتبرت فيها الابادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي ،تتعارض مع روح الامم المتحدة واهدافها ويدينها العالم المتمدن واعترفت بان الابادة الجماعية قد الحقت، في جميع عصور التاريخ ،خسائر جسيمة بالانسانية وان تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي ومن هذه الاتفاقيات :اولاً : اتفاقية منع الابادة الجماعية والمعاقبة عليها
اعتمدتها الجمعية العامة بقرارها رقم 260الف (د-3) في 9/12/1948 حيث نصت على مايلي :
المادة 1 : تصادق الأطراف المتعاقدة علي أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها.
المادة 2 : في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
(د) فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخرى.
المادة 3 : يعاقب علي الأفعال التالية:
(أ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر علي ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ج) التحريض المباشر والعلني علي ارتكاب الإبادة الجماعية.
(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
المادة 4 : يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي فعل من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا.المادة 5: يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كل طبقاً لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.
المادة 6 : يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.المادة 7 : لا تعتبر الإبادة الجماعية والأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة جرائم سياسية علي صعيد تسليم المجرمين. وتتعهد الأطراف المتعاقدة في مثل هذه الحالات بتلبية طلب التسليم وفقا لقوانينها ومعاهداتها النافذة المفعول.المادة 8 :لأي من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقا لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.
ثانياً : اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامةللأمم المتحدة 2391 (د-23) المؤرخ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1968 . حيث جاء في الديباجة :
إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، وإذ تلحظ خلو جميع الإعلانات الرسمية والوثائق والاتفاقيات، المتصلة بملاحقة ومعاقبة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، من أي نص علي مدة للتقادم، وإذ ترى أن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي، واقتناعا منها بأن المعاقبة الفعالة لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية عنصر هام في تفادي وقوع تلك الجرائم وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتشجع الثقة وتوطيد التعاون بين الشعوب وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وإذ تلاحظ أن إخضاع جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية، يثير قلقا شديدا لدى الرأي العام العالمي لحيلولته دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم،وإذ تدرك ضرورة ومناسبة القيام، في نطاق القانون الدولي وبواسطة هذه الاتفاقية، بتأكيد مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وبتأمين تطبيقه تطبيقا عالميا شاملا،قد اتفقت على ما يلي:
المادة 1: لا يسري أي تقادم علي الجرائم التالية بصرف عن وقت ارتكابها:(أ) جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول 1946، ولا سيما "الجرائم الخطيرة" المعددة في اتفاقية جنيف المعقودة في 12 آب 1949 لحماية ضحايا الحرب.
(ب) الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول 1946، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالا بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه.
المادة 2: إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة في المادة الأولى، تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضا مباشرا على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها).
لقد قدر للأرض العراقية ليس فقط حمل الكنوز والنفط ، فقد ارتكب النظام البائد بحق العراقيين ابشع ما شهده تاريخ البشرية من جرائم الابادة الجماعية، حيث تعرض الكورد الابرياء وعلى مدى سنوات طويلة الى حملة ابادة جماعية وحرب شوفينية من قبل النظام المقبور منتهكاً بذلك وبشكل صارخ حقوق الانسان والقيم الانسانية والاتفاقيات الدولية، فقد تعرضت المناطق الكوردية الى العديد من السياسات الجائرة واللانسانية ، مثل عملية انفال ثمانية الاف رجل من البارزانيين (الذين يترواح اعمارهم بين عشر سنوات فما فوق) حيث اقتيد هؤلاء المعتقلين لاول مرة الى سجن ابو غريب بعدها تم نقلهم الى بويصة وهي ناحية تابعة لمدينة السماواة على حدود السعودية حيث تم اعدامهم ودفنهم بالمقبرة الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام. وقام ازلام النظام البائد في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بشن عمليات الانفال السيئة الصيت في عموم اقليم كردستان العراق والتي خلفت وراءها اكثر من (182000) شهيد خلال فترة قليلة من الزمن، والضحايا لم يكونوا مسلحين، وانما مدنيين فقط، رجالاً ونساءاً بل أكثر الضحايا كانوا من النساء والأطفال والشيوخ، في عمليات الابادة هذه لم يتح المجال للهروب من قبل أي شخص، لان القرى كانت مطوقة بالكامل من قبل الأجهزة الأمنية القمعية للنظام وتم حرق وازالة نحو خمسة الاف قرية مسالمة وتخريب البنية التحية الاقتصادية للمنطقة، كما قام النظام في عام 1988 بقصف مدينة (حلبجة ) الشهيدة بالاسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً وتسبب القاء غازات سامة على مواطني المدينة بمقتل قرابة خمسة الاف كردي والاف اخرين من الضحايا الذين فقدوا بصرهم وتسبب لهم استنشاق الغازات السامة بعاهات مستديمة. وعمل النظام على تغيير جغرافيا المنطقة بانتهاج سياسة التعريب الشوفينية.
كما قام النظام بقمع انتفاضة اذار 1991، وبسبب بشاعة الاساليب التي انتهجها النظام في قمع انتفاضة الكورد في كوردستان وانتفاضة الشيعة في الجنوب حدثت الهجرة المليونية الى المناطق الحدودية في ظل الظروف الجوية القاسية ، واقترف النظام ابشع عمليات الابادة الجماعية تمثلت بالتغييب القسري ودفن الضحايا احياء في مئات المقابر الجماعية التي ملأءت ارض العراق من شماله الى جنوبه، والتي اكتشفت بعد سقوط الصنم في 9/4/2003 .
لقد تم إنشاء المحكمة الجنائية المختصة في العراق في 10 اكتوبر 2003 بقرار من فبل مجلس الحكم في العراق وتختص هذه المحكمة بالنظر في القضايا المرفوعة ضد الطاغية واعوانه والجرائم التي ارتكبها النظام من فترة 1968 الى 2003 . وتمتلك المحكمة حق محاكمة اي شخص عراقي الجنسية تم اتهامه بارتكاب جرائم حرب و انتهاك لحقوق الأنسان و الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية . و تجرى خلال هذه الفترة جلسات محاكمة الطاغية و اعوانه ممن تلطخت ايديهم بدماء الملايين من العراقيين. وتعتبرالمحاكمة بالنسبة للعراقيين حلما طال انتظار تحقيقه بالنظر لبشاعة الجرائم التي ارتكبها النظام وقد خرجت العديد من المظاهرات في انحاء متفرقة من العراق تطالب بالاسراع باصدار حكم الاعدام على الطاغية وزمرته، حيث ان المئات بل الاف من المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام تعتبر اقوى دليل ادانة ضد الطاغية وزمرته على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي .
الحقوقي ديندار شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذه المقالة في جريدة التاخي - العدد 4863 الصادر في 25/9/2006 تحت عنوان جريمة الابادة الجماعية في القانون الدولي .

ليست هناك تعليقات: