بحث هذه المدونة الإلكترونية

لماذا لايتم استجواب رئيس الوزراء؟



حسب البند (ب) من الفقرة ثامنآ من  المادة61 من الدستور العراقي الدائم فإن هناك طريقين لسحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء :
1ـ لرئيس الجمهورية، تقديم طلبٍ الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
وهذا يعني أن لرئيس الجمهورية صلاحية الطلب من مجلس النواب لسحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء. وهذا الطلب محصور برئيس الجمهورية حصرآ .
2ـ لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز ان يقدم هذا الطلب الا بعد استجوابٍ موجهٍ الى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة ايام في الاقل من تقديم الطلب.
هاتين الطريقتين واضحتين وضوح الشمس اوضح الدستور من خلال الآليات والطرق التي ينبغي اتباعها لسحب الثقة عن رئيس الوزراء، باعتبارها من اختصاصات مجلس النواب.
 بيد أن ما يجري على ارض الواقع وما نسمعه في وسائل الاعلام، هو محاولة القادة السياسيين ابتكار واختلاق طرق جديدة لم يرد ذكر لها في الدستور، واتباعها في سحب الثقة.
احدى هذه الطرق الجديدة هو خلط بعض الجوانب من الطريقتين التي نص عليهما الدستور واختلاق طريقة عرجاء، الا وهي طريقة جمع التواقيع من بعض اعضاء مجلس النواب يطلبون فيها سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء ويقوم رئيس الجمهورية بتقديمها الى مجلس النواب. إن هذه الطريقة علاوة على عدم وجود سند دستوري لها، فانها قد أخذت الكثير من وقت على حساب مصالح الشعب المتطلع الى الخلاص من الازمات الواحدة تلو الاخرى. وبعد ان وجد المنادين بهذه الطريقة عدم جدواها بدأوا بالبحث عن طرق اخرى ل سحب الثقة من رئيس الوزراء.
وهناك من ينادي بأجراء أستفتاء شعبي لسحب الثقة عن الحكومة.. وهذه الطريقة أيضآ علاوة على عدم وجود سند دستوري لها، فانها طريقة شاقة وصعبة، فالاستفتاء كأحد الوسائل الديمقراطية يستخدم لغايات اكثر اهمية من موضوعة سحب الثقة ، فأذا كانت هناك طرق دستورية سهلة وواضحة يتم عن طريقها سحب الثقة فلماذا اللجوء الى طرق صعبة إن لم تكن مستحيلة!!
وما نود التأكيد عليه هنا هو إن لرئيس الجمهورية صلاحية تقديم طلب الى مجلس النواب بسحب الثقة، وهو ليس بحاجة  الى أية تواقيع من اعضاء مجلس النواب. ولكن يبدو أن القادة السياسيين قد ارادوا اهمال الطرق الدستورية واختاروا الطرق الاخرى وذلك لعدة اسباب من اهمها:
الاول: هو عدم الرغبة في استخدام رئيس الجمهورية صلاحيته كاملة ، حيث يُنظر اليها على انها صلاحية خطيرة، وربما ينتج عنها اثار سلبية لاتحمد عواقبها وتزيد من تأزم الوضع السياسي للبلد الذي هو في غنى عن المزيد من التأزم، وبالتالي لكي لا يكون الرئيس المسبب الوحيد لتلك النتائج فيما لو حصلت لاسامح الله. هذا اضافة الى رغبة السيد رئيس الجمهورية في البقاء على حالة الحياد تجاه كافة الكتل السياسية وعدم الميل الى جهة على حساب أخرى.
الثاني:اختصار الطريق وتجاوز الفقرة الخاصة باستجواب رئيس مجلس الوزراء في البرلمان، فإذا كان الدستور قد اعطى لمجلس النواب صلاحية سحب الثقة من رئيس الوزراء بناءاً على طلب خمس اعضاءه ، فإن هذه الصلاحية مرهونة بوجوب استجواب رئيس مجلس الوزراء أولاً. فلكي يكون بامكان خمس اعضاء المجلس تقديم الطلب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، لابد أن يسبقه استجواب رئيس الوزراء.
ويقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بعد البت في موضوع الاستجواب.

ولكن لماذا لايتم استجواب رئيس الوزراء ولماذا الخشية من الاستجواب؟
قبل الاجابة على هذا التساؤل، نود أولاً معرفة ماهية الاستجواب.
  المعروف بأن الاستجواب هو من وسائل الرقابة في النظم السياسية البرلمانية، فهو يعتبر وسيلة خاصة بالنظام البرلماني وهي ناجمة بالتالي عن طبيعة هذا النظام ، الذي يفترض بأن لا تتمكن الحكومة من القيام والعمل إلا في ظل ثقة البرلمان التي لا بد لها من أن تنالها وتبقى متمتعة بها ، ونظراً لما للاستجواب من دور أساسي وفاعل في ضبط تصرفات السلطة التنفيذية فأن الدساتير تنص عليه. وبه يتمكن البرلمان من مراقبة عمل الحكومة والتعرف على طريقة سير الجهاز الحكومي وكيفية أدائه لأعماله المختلفة. و يستطيع البرلمان أن يناقش الحكومة في سياستها العامة التي رسمتها لنفسها وأن يراجعها فيما أقدمت عليه من تصرفات من أجل حماية مصالح الشعب وأرغامها على تبرير تصرفاتها أمام البرلمان والرأي العام، وبذلك يمثل الاستجواب ضمانة أساسية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وهو بمثابة ضابط لكبح جماح السلطة التنفيذية ومنعها من الانحراف، كما انها وسيلة جماعية وسهلة لمن يشاء استخدامها من الاعضاء.
إن العامل المهم الذي يؤهل الاستجواب للقيام بكل هذه الادوار، يتمثل  في خطورة الأثر الذي يمكن أن يترتب عليه إذ قد يؤدي إلى سحب الثقة من الحكومة ، وأجبارها على الاستقالة. وهذا الأثر يضفي على الاستجواب طابع الجدية ويجعله وسيلة مهمة جداً في الديمقراطيات البرلمانية إذ يُرغم الحكومة على أن تكون في حالة من الحرص المستمر وعلى مستوى عال من النزاهة والكفاية.
وحسب البند ج من الفقرة سابعاً من المادة 61، فانه (لعضو مجلس النواب، وبموافقة خمسة وعشرين عضوآ، توجيه أستجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في أختصاصهم، ولاتجري المناقشة في الأستجواب ألابعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه).
معنى هذا أن الأستجواب يمكن أن يُقدم من قبل نائب واحد ويكون هو طالب الأستجواب أتجاه المستجوب، بشرط موافقة 25 عضوآ على طلب الأستجواب المقدم من ذلك العضو حصرآ ). فالاستجواب البرلماني يجري على أساس توجيه الأسئلة من مقدم الاستجواب، يقابله أجابة الوزير المختص أو رئيس الحكومة عن الأسئلة فتكون آلية الرقابة على شكل مناقشة يحركها العضو مقدم الاستجواب ، ويمكن أن يساعده في ذلك بعض الاعضاء المهتمين بموضوع الاستجواب او طالبي الاستجواب ، ويرد الوزير أو رئيس الحكومة على الاسئلة المطروحة وقد يعلق العضو أو الاعضاء على الردود أو يستوضحوا أو يشاركوا في التعليق والاستفسار.
والاستجواب يحمل في طياته معنى الاتهام للحكومة والمؤاخذة لأعمالها، وقد يؤدي في  نهاية الأمر إلى طرح الثقة بالحكومة ، وحتى لو نجحت الحكومة في ضمان أغلبية أعضاء البرلمان لسيطرتها باعتبارهم اعضاء في حزبها، وتحاشي مسألة التصويت على الثقة فيها ، فأنها لا تستطيع أن تمنع تأثر الرأي العام بذلك، الذي يتابع مناقشة الاستجوابات في البرلمان ومن خلاله يستطيع تقويم أداء النواب والحكومة في أن واحد ، وهو الأمر الذي يفسر تحايل الحكومات في معظم الدول للحد من مناقشة الاستجوابات في البرلمان باساليب مختلفة.
بإعتقادي فإن الاسباب التي دعت الى تلافي الاستجواب تكمن في:
•1.  عدم وجود تصور واضح للعديد من اعضاء البرلمان حول الاسئلة والمواضيع التي ستطرح في الاستجواب، وهذا يتضح من خلال الالية التي اتبعوها بداية لسحب الثقة، فقد اعتقدوا بانه يمكنهم - وخلال عطلتهم التشريعية - ان يجمعوا عدد من التواقيع ويقدومها الى رئيس الجمهورية لكي يقوم بدوره بالطلب من مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس الوزراء.
•2.    إن قادة الكتل هم الذين عقدوا  مع المالكي - خارج البرلمان - بعض الاتفاقيات مقابل منح اعضاء كتلهم الثقة له تحت قبة البرلمان. وعندما وجدوا عدم التزام المالكي بهذه الاتفاقيات، فقد ارادوا هم نفسهم حسب الثقة عنه. و الغريب في الامر إن السيد المالكي وخلال طرحه لبرنامج حكومته امام البرلمان لم يتطرق الى الكثير من المسائل التي اتفق عليها من قادة الكتل السياسية قبيل منح الثقة له. وبعد تشكيل الحكومة التي لم يكتمل تشكيلها حد هذه اللحظة، وجد  قادة الكتل بأن المالكي لم يف بما قطع لهم من وعود.
•3.    إن الحكومة تشكلت على اساس المحاصصة بين كافة الكتل على اختلاف مشاربها، وعندما تُتهم الحكومة بالتقصير وعدم توفير الخدمات والامن وغيرها من احتياجات المواطن، فإن كافة الكتل تصبح في قفص الاتهام باعتبار ان كل وزارة هي من حصة هذه القائمة أوتلك ، حيث يترتب على سحب الثقة من رئيس الوزراء إستقالة الحكومة بأكملها وذلك حسب الفقرة (ج) من المادة السالفة الذكر ، و لكون رئيس الوزراء الذي سحبت الثقة منه هو الذي شكلها وهو المسؤول عنها امام البرلمان وأن مسؤوليتهم تضامنية وشخصية، فمجلس النواب منح الثقة للحكومة ، وبالتالي فهي باقية عند عدم سحب الثقة عنها وتزول عند التصويت بسحب الثقة عنها ولايمكن الحديث عن سحب الثقة عن رئيس الوزراء فقط دون بقية اعضاء الحكومة أو الوزراء. 

السويد.

ليست هناك تعليقات: