بحث هذه المدونة الإلكترونية

الايزيديون ومتحزبيهم لايتكلمون لغة واحدة.



ديندار جيجو.
esvni2@hotmail.com
طالما كان بين الايزيديين - إن صحت التسمية- اتجاهين مختلفين واضحين، هما الشارع الايزيدي ونشطائه المستقلين من جهة، وبعض المتحزبين الايزيديين - الذي يدورون في فلك الاحزاب الكوردية العراقية والذين يضعون انفسهم كـ "اوصياء " على الايزيدية و "أولياء أمور" لهم- من جهة اخرى،  سواءاً من حيث الاسلوب والطريقة التي يتصرفان بها في مناسبات وحوادث شتى تعرض لها الايزيديون.
ولكن بالرغم من فضاعة حملة الإبادة الجماعية التي تعرض لها ايزيدية سنجار على ايدي عصابات داعش الارهابية والتي اسفرت عن تعرض الالاف الى القتل والخطف والسبى وانتهاك الاعراض وتشرد ونزوح قرابة نصف مليون ايزيدي. الا ان ذلك لم يوقض اؤلئك المتحزبين من سباتهم، ولم يصحا ضميرهم للتنازل والتراجع لو قليلا عن مواقفهم السابقة، بل انهم مستمرون في نهجهم،  وهكذا اتسعت الهوة والفجوة كثيراً بينهم وبين باقي الايزيديين. فعندما نسمع الضحايا وهم يصفون الكارثة والابادة التي تعرضوا لها، وبالمقابل نسمع ونرى تصريحات البعض من اؤلئك المتحزبين حول ذلك، نجد ان هناك فارقاً شاسعاً في اللغة والطريقة التي يتحدث بها الجانبين، سواءاً من حيث القاء الذنب والمسؤولية على الجهة التي كانت السبب فيما آل اليه مصير مئات الالاف من الايزيديين، ، أو من حيث الجهة التي لها الاحقية في تمثيل الايزيديين والمناداة بمطالب الايزيديين وضحاياهم.
فمن حيث سبب هذه الكارثة، نرى بأن الضحايا ومعهم جانب واسع من الشارع الايزيدي يلقون بالذنب ومسؤولية ما حصل على قيادات المنطقة التابعين للبارتي والمنصوبين على المنطقة من هذا الحزب (كونه الجهة التي وضعت نفسها "ولي أمر الايزيديين" والجهة الوحيدة التي تسيطر على مقاليد الامور في المنطقة من كافة الجوانب الإدارية والحزبية والأمنية والعسكرية). وهذا ليس بإدعاء بل هي حقيقة واضحة ومثبتة بالكثير من الادلة من تسجيلات الفيديو والصور وقبل كل شئ شهادات الضحايا واهالي المنطقة ممن عايشوا الكارثة قبل واثناء وبعد وقوعها. ورغم إن قيادات عليا في البارتي قد اعترفت بانهم يتحملون ما حصل في سنجار، لكن الايزيديون المتحزبون، لا تعجبهم ولو مجرد الاشارة الى أن ما تعرضت اليه سنجار، تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الاولى سلطات الاقليم، بل ان هؤلاء يحاولون وبكل الجهود التغطية على هذه النقطة ويعملون بجهد منع التطرق الى هذا الجانب لانه بالتأكيد لن يكون لصالح حزبهم، كما انه لن يكون لصالح هؤلاء الاشخاص لانهم وقبل كل شئ سيحرمون من المكانة والامتيازات التي اعطاهم الحزب وأنعم عليهم بأموال الشعب المسكين. لا بل على العكس فانهم في كل مناسبة يحاولون تبرئة ساحة سلطات الاقليم من ذلك عن طريق تقديم الشكر والمدح والثناء الى تلك السلطات، ويعتبرون الاشارة الى مسألة خيانة البيشمركة ومسؤوليها هي من "الخطوط الحمراء" التي لايجوز التطرق اليها أو حتى التقرب منها.
لكن هؤلاء الاشخاص قد نسوا سؤالاً يطرح في موقف مهم .. الا وهو ، ماذا سيكون موقفكم لو ترك هذا الحزب نسائكم وشرفكم بيد " داعش" يتاجرون بهم كـ "سبايا" .. ضعوا انفسكم في هذا الموقف وفكروا كيف ستتتصرفون حينئذ  وماذا سيكون موقفكم !!
أليس الدم الايزيدي وشرف وعرض نسائه وفتياته أهم من تلك "الخطوط الحمراء" التي اصطنعتها الاحزاب الكوردستانية لنفسها كغطاء وقاية لها ولكي تكمم الافواه وتمنع أي شخص ايزيدي حتى من انتقادهم والتعبير عن الاستياء جراء الاوضاع المأساوية التي يعيشونها!!! أليس دم الايزيدية وشرفهم وعرضهم من المقدسات التي لايجوز التقرب منها والتجاوز عليها بأي شكل من الاشكال، أم إن المناصب والامتيازات قد اعمت هؤلاء المسؤولين المتحزبين لهذا الحزب أو ذاك، وجعلتهم ينسون حتى معنى الشرف والعرض!!!..
للأسف فإن هؤلاء الاشخاص لم يشعروا الى هذه اللحظة بمدى المعانة والمصيبة التي حلت بالايزيديين، ولايهمهم سوى مصلتحتهم الشخصية ورضى أسيادهم عنهم ، حتى لو فقدوا كل شئ. لقد فقد هؤلاء فعلا روح الاحساس بالشرف وبالانسان والآمه وعذاباته من فقدان شرفه، فالولاء الاعمى لهؤلاء المتحزبين لاحزابهم وصل بالبعض منهم الى نسيان كل شئ.. لابل ان الامر وصل الى تهديد كل شخص وناشط ايزيدي يتفوه بالحقيقة،  التي لم يعد السكوت عنها يتحمل اكثر، الذي  بات يقول ويصرح وينشر على الفيس بوك ووسائل الاعلام المتوفرة عن المشاكل التي يعاني منها الايزيدون من فقدان الشرف والعزة والكرامة، لذا نرى هؤلاء الناشطين يعبرون عن سخطهم من تصرفات وافعال بعض هؤلاء المسؤولين . وبدلاً من الاستجابة لمطالب هذا الشباب الثائر والساخر من تصرفاتهم، يلجأ هؤلاء المسؤولين الى تهديد هؤلاء الشباب مستعينين بنفوذهم في الاجهزة الأمنية والحكومية في أقليم كردستان، حتى وصل الامر الى ارسال التهديدات من قبل ازلام السلطة الى النشطاء المقيمين في اوربا عن طريق عوائلهم المتواجدة في العراق.

اما من حيث الجهة التي لها الأحقية في تمثيل الايزيديين وخصوصاً ايزيدية سنجار والمناداة بمطالبهم.. فبعد الثالث من آب تحرك الكثير من الايزيدية الخيرة وقاموا بالعديد من النشاطات لدعم ابناء جلدتهم وللوقوف معهم في المحنة الصعبة التي يواجهونها، تمثلت تلك النشاطات وكما يعرف الجميع بتقديم المذكرات وإقامة المظاهرات والوقفات الاحتجاجية في العديد من العواصم والمدن الاوربية من اجل ابلاغ العالم بفضاعة المأسآة التي يتعرض لها الايزيديون وضرورة تقديم يد العون والمساعدة لهم وانقاذهم من محنتهم، وتنقل الى تلك المحافل صميم مطالب الشارع الايزيدي دون رتوش.. ولم يتوقف النشاط عند هذا الحد بل إن جهود الخيرين من ابناء الايزيدية هي في تطور مستمر، فالعمل جاري على قدم وساق لتشكيل العديد من اللجان والهيئات من اجل ايصال صوت الايزيدية ومطالبهم الى المنابر العالمية والدولية ، منها على سبيل المثال (هيئة اغاثة سنجار)، والعديد من المجاميع الاخرى في الخارج يشاركهم العديد من ابناء الداخل.
و الى جانب هذا الحراك وهذه النشاطات نلاحظ بأن بعض المحسوبين على الايزيدية ممن ينتمون الى الاحزاب الكوردية العراقية هي في نشاط دؤوب ويعملون بدون كلل من اجل اجهاض هذه النشاطات، والعمل بالضد من مطالب الشارع الايزيدي أو تسخير تلك المأسآة لمصلحة الحزب أو الجهة التي ينتمون اليها. المشكلة ان هؤلاء لايفهمون أو لايريدون ان يفهموا الاحداث بالمفهوم الايزيدي البحت والمفهوم الذي يمليه الضمير الانساني والايزيدي، بل يريدون فهمها بالمفهوم الذي تمليه عليهم احزابهم.
 
على هؤلاء ان يتيقنوا تمام اليقين بانهم في نظر الشارع الايزيدي لا يمثلون سوى أحزابهم، لأنهم لا يتحركون الا في الحدود الضيقة التي تتطلبها مصالحهم الحزبية الضيقة. لذلك فانهم حسب هذه الظروف والملابسات لا يمكنهم تمثيل الشارع الايزيدي، طالما كان من الصعب عليهم التنازل عن حزبيتهم والانحياز الى المصلحة الايزيدية العليا. وطالما كان هؤلاء ينكرون الحقيقة القائلة (بأن قيادة حزبهم قد خانوا الايزيدية وانهم كانوا السبب الرئيسي فيما آل اليه مصير الالاف من الاطفال والرجال والنساء والفتيات الايزيديات في سنجار)، وطالما نراهم يقفون بالضد من توجيه اية تهمة الى حزبهم بل على العكس يريدون اظهار حزبهم وكأنه حامي حمى الايزيدية وانه المنقذ الوحيد لهم  ..
وعندما يرى هؤلاء بأن اية جهة تقوم بأي نشاط من شأنه توجيه اصابع الاتهام الى حزبهم، نراهم يحاولون بكل جهد اجهاض جهود الخيرين من خلال طرق عديدة، فنرى هؤلاء ينعتون تلك الجهة أو الهيئة بنعوت شتى منها: العمالة أو الارتباط بجهات خارجية لاتريد الخير لكوردستان العراق واحزابها، أو انها وفود لاتمثل سوى نفسها، أو انها وفود غير معترف بها وغيرها من التهم الجاهزة انطلاقاً من قاعدة (من لم يكن معي، فهو ضدي). وأكثر من ذلك فهم يسعون الى منع حكومات العالم من سماع مطالب الرأي العام الايزيدي من خلال تشكيل وفود مضادة ومعاكسة بهدف جلب المكاسب الى حكومة الاقليم على حساب الايزيدية الابرياء، كما انهم يهدفون من وراء كافة تلك التحركات إجهاض أي مشروع إيزيدي يهدف إلى انشاء رأي إيزيدي مستقل قادر على إنقاذ الإيزيديين من المحنة التي تعرضوا لها ويعمل على منع تكرار حدوثها ثانية .
وما يؤسف له بأنه حتى الذين كانت مطالبهم بالامس تنسجم الى حد ما مع مطالب الشارع الايزيدي ، بدأوا اليوم - وبتأثير احزابهم - بتغيير النبرة التي كانوا يتحدثون بها عند بداية حدوث الكارثة الى نبرة ترضي رغبات احزابهم، وهذا بالتأكيد من شانه أن يزيد الشرخ الحاصل بين الايزيدية وهؤلاء، وهذا سيجلب على الايزيدية اضرار كبيرة.
ان ما يؤسف له ايضاً إن مواقف البعض من اعضاء المجلس الروحاني قد كانت محل استياء وإزدراء الشارع الايزيدي ، فإذا استثنينا المير تحسين بك - كون موقفه لحد الان يعكس تطلعات ومطالب الشارع الايزيدي، الى أن مواقف الآخرين ومعهم ما تسمى بـ"اللجنة الاستشارية" لم تبتعد كثيرا عن مواقف اؤلئك المسؤولين، واشتراكهم في اجهاض جهود الايزيديين و تضليل مطالبهم.
نعم .. فقد باتت هذيانات وتصريحات هؤلاء المسؤولين على شاشات التلفاز وغيرها من وسائل الاعلام، محل استنكار الشارع الايزيدي. حيث نرى احد هؤلاء يطلب من اهالي سنجار الرجوع الى بيوتهم وقراهم. لكن من يسمع هذا التصريح يعتقد بأن اهالي سنجار قد تركوا بيوتهم وجاءوا الى المدن الكوردستانية للنزهة والسياحة، وهو لا يعرف بأن صاحب هذا التصريح قد فقد صوابه وقواه العقلية، وإنه مجرد ببغاء يقوم بنطق ما يملي عليه اسياده..  ولكن هل سأل هذا الشخص نفسه أو تراود الى فكره المريض، الى ماذا يرجعون وكيف!! فهل تم تحرير مناطقهم، وهل تم انقاذ فتياتهم وشرفهم، وهل تم تأمين حياتهم وسلامتهم لكي يمكنهم العودة الى ديارهم، أم أن صاحب هذا التصريح يريد بعودة هؤلاء أن يقضي على مًن لم تستطع داعش القضاء عليه!!!
لذلك فإن الوفود الايزيدية التي تدعي بانها وفود رسمية الى المحافل الدولية تتكلم بلغة اخرى تختلف عن اللغة التي تتكلم بها الوفود الايزيدية الشعبية.
يبدو ان الاحداث التي ألمت بسنجار وايزيديتها قد استطاعت ان تكشف النقاب عن الكثير من الاشياء ، منها أن هؤلاء المتحزبين مستعدون للتضحية بكل شئ حتى بالايزيدياتي من اجل مصالحهم، وهنا يتوجب على الشارع الايزيدي ان يتخذ اجراءاته بحق هؤلاء الذين خانوهم ولم يقفوا معهم في محنتهم، وان بعضهم قد اخفوا رؤسهم في الرمل وكأن الذي حدث لايمت لهم بأي صلة، والبعض الاخر لم تكن لديه أية جراة لقول ولو جزء يسير من الحقيقة بوجه اسيادهم الذين كانوا السبب في مصيبة الايزيديين
لقد كشفت الاحداث بأن هؤلاء الذين يتاجرون بالايزيدية وقضيتهم لا يخرجون عن ثلاث: فاما هو "جحش" سابق للبعث ، كان الى الأمس القريب احد رؤوساء سرايا "ابي فراس الحمداني" وقد شائت الاقدار والظروف السياسية الغريبة للعراق ان ترفع من منزلته بدلا من ان تنزله تحت التراب. وأما كان من الميؤسين من الاحزاب التقدمية ، فكان بالامس القريب أحد انصار الشيوعية ومن المنادين بازالة البرجوازية ومؤسساتها، والان اصبح متاجراً صرفاً بالدين ومستغلا للمراكز والمؤسسات الدينية، و من اكثر المشجعين للبرجوازية، لابل من المنادين برجوع حكم الفرد والعائلة والعشيرة. أو يكون احد هؤلاء من الطفيليين الذين طالما اقتاتوا على دماء هذا الشعب الفاقد للقيادة الحكيمة النابعة من اهلها.
لاشك بأن ازداوجية الخطاب الايزيدي وثنائية اللغة التي يتكلم بها الطرفين، لن تعالج المشاكل والمعاناة التي يعانيها ضحايا هذه الكارثة، بل انها ستزيد من تلك المعاناة سوءاً، وستكون سبباً في ضياع المزيد من الايزيديين، وزيادة في عدد الضحايا. ولا يعقل ان يقع الايزيديون انفسهم ضحية الصراعات الايزيدية- الايزيدية، وان يكون الايزيديون انفسهم سبباً لهذه الزيادة، ومن أجل ماذا !!! هل من اجل الحفاظ على المصلحة الحزبية الضيقة.. ولكن لابد أن نقول لهؤلاء المتحزبين بأن السياسة والاحزاب هي غير ثابتة بل هي في تغير مستمر وذلك بالاعتماد على الظروف والاحوال السياسية. بيد أن الايزيدياتي لايمكن أن تكون كذلك، فلايزيدياتي باقية وثابتة، وحتى لو اراد بعض المتملقين ان يحيدوا بالايزيدياتي لمصلحتهم الشخصية الآنية، فإن الايزيدياتي اكبر وأعظم من نواياهم ومخططاتهم ، فلا يمكن لهؤلاء أن يسخروا الايزيدية لصالح احزابهم وسياستها.


 17/09/2014

ليست هناك تعليقات: