بحث هذه المدونة الإلكترونية

ما بين سنجار وكوباني فرق كبير.



ديندار جيجو.
قبل اكثر من شهر وكوباني تتعرض الى هجوم شرس من قبل اعداء الانسانية والتمدن والحضارة في محاولة منهم للسيطرة على كوباني والقضاء على اهلها وسكانها، وقبل ذلك بشهر تعرضت سنجار الى حملة ابادة جماعية من قبل اؤلئك المتوحشين،راح ضحيتها أكثر من 5000 إنسان بريء ، وأكثر من 7000 مختطف أغلبهم من النساء والفتيات والأطفال لازالوا بقبضة تنظيم داعش ، وحوالي 400 ألف نازح ومشرد في العديد من المناطق سواءاً في مدن إقليم كردستان أو في كردستان الغربية (سوريا) والشمالية (تركيا) ودول أخرى.
واذا كانت سنجار وكوباني تشتركان في تعرضهما الى الاعتداءات من قبل ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، بيد ان هناك فارقاً واضحاً بين الاثنين، من حيث مقاومة وحدات حماية الشعب (ypg) من جانب،وبين تخاذل المسيطرين على سنجار من قيادات البيشمركه من جانب اخر.
إن هذه ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها كوباني الى هجمات تنظيم داعش، بل ان تلك الهجمات ترجع بتاريخ وقوعها الى عدة اشهر مضت، ولكن هذه المرة فإن تلك الهجمات هي الاوسع والاشرس وذهب الكثير ضحية تلك الهجمات، ورغم ذلك فإن المدافعين عن كوباني وبقية المقاطعات الكردية في كردستان الغربية، سواءاً من قبل وحدات حماية الشعب تساندهم في ذلك كافة شرائح المجتمع بنساءه ورجاله وشيوخه وشبابه، قد وقفوا وقفة صامدة بوجه ارهاب داعش وهجماته، مدافعين عن ارضهم وعرضهم، بالرغم من قدراتهم العسكرية البسيطة من السلاح والتموين والعتاد.
أما بالنسبة لسنجار، فقبل تعرضها الى هجوم داعش، كانت هناك علامات واضحة تنذر بوقوع وشيك لذلك الهجوم ، منها سقوط المناطق المتاخمة والقريبة منها بيد داعش كـ (تلعفر- زمار - ربيعة ..الخ) مما خلق للفرد الايزيدي -وبما لايقبل الشك- الشعور بأن الخطر قادم اليهم لا محالة. الامر الذي دفع بالايزيديين متمثلين بالامير تحسين بك وقيادات عشائر سنجار الى الطلب من القيادة الكردية بضرورة تسليح الإيزيديين لكي يكون بامكانهم التصدي لداعش والدفاع عن مناطقهم.
ولكن على الرغم من كافة تلك المطالبات، الا ان القيادة الكردية لم تتخذ اية اجراءات فعلية لدرء الخطر عن سنجار لا بتسليح الايزيديين، ولا بإرسال قوات كافية من البيشمركة لحماية المنطقة، بل ان تلك القيادات وعن طريق وسائلها الاعلامية ومعهم القيادات الميدانية من مسوؤلي الحزب وقيادات البيشمركة في سنجار، طالما عملوا على تضليل وإيهام الشارع الايزيدي ومسؤوليهم، حيث كانت تدعي دائما بأن الوضع في سنجار هو تحت السيطرة ولن يستطع احد التقرب منها لانهم سيكونون لهم بالمرصاد، لا بل انها كانت تمنع اهالي سنجار من مغادرة مناطقهم وانقاذ عوائلهم واطفالهم.

ولكن ما حصل على ارض الواقع اثبت عدم صحة ادعاءات قيادات المنطقة الحزبية والعسكرية والامنية، وهنا نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، بإنه في ليلة 2/3-أب-2014 وبينما كنت عند احد الاصدقاء و كنا نناقش مدى خطورة الوضع في سنجار، فقام هذا الصديق بالاتصال بشخص ايزيدي وهو مسوؤل احدى الوحدات الادارية في سنجار لكي يستفسر منه عن وضع مناطقهم، فكان جواب هذا المسؤول بأن مناطقهم في أمان وليس هناك أي خطر عليهم ولاهم يحزنون. ولكن لم تمض ساعات قلائل على ذلك الاتصال حتى سمعنا بالخبر المفجع بسقوط سنجار بيد الدواعش، وكلنا شاهدنا ورأينا كيف أن قوات البيشمركة كانت تنسحب قبل الاهالي من سنجار دون أية مقاومة، تاركة المواطنين العزل فريسة سهلة لداعش.
وبالرغم من كل ذلك فإن القيادات الكردية والى هذه اللحظة لاتريد الاعتراف بالخطأ الفظيع والخيانة الكبيرة التي ارتكبتها في سنجار، وبدلاً من ذلك فإنها تحاول ابتداع الحجج والذرائع لعملية الانسحاب تلك. لكن اعذارهم تلك لا يمكن وصفها سوى انها أقبح من ذنوبهم، فتارة يخرج المستشار الاعلامي لرئيس الاقليم ليعلل انسحاب البيشمركة من سنجار بأنه كان تكتيكياً لحماية السكان من مذبحة كبرى، وقد تناسى صاحب هذا التبرير أن يسأل نفسه، بماذا يمكن ان يوصف انتهاك أعراض الالاف من الفتيات والنساء الايزيديات المختطفات لدى داعش!!! وبماذا يمكن ان يوصف ذبح الالاف من رجال الايزيدية وشبابهم وشيوخهم واطفالهم على أيدي الدواعش المجرمين الهمج !!! وبماذا يمكن وصف نزوح عشرات الالاف من الأطفال والنسوة والشيوخ ولجوئهم الى جبل سنجار وانحصارهم هناك، حتى ان الكثير منهم قد قضى نحبه هناك بسبب انعدام المأكل او المشرب أو الدواء. بماذا يمكن ان يوصف كل ذلك ، ألم تكن هذه مجزرة رهيبة!! ألا يمكن وصف ذلك بخيانة القيادة الكردية ومسؤوليها للإيزيدية!!!
وتارة اخرى يتم تعليل انسحاب البيشمركة بأن ما تعرضت له في سنجار كان أكبر من طاقة قوات اقليم كردستان وامكاناتها. وقد تناسى اصحاب هذا التبرير ان يسالوا انفسهم، كيف يمكنهم -وبقرار عفوي- أن يضموا الى الاقليم المناطق المستقطعة منه دون أن يتحسبوا للاثار المترتبة على اتخاذ مثل هكذا قرار!! فإذا كانت طاقات الاقليم بهذا البساطة والضعف، فلماذا الاقدام على اتخاذ مثل هكذا قرارات؟؟ ثم أين ذهبت جهود القيادة الكردية وحرصها الدؤوب- كما تتناقله في وسائل اعلامها وتصريحاتها- على بناء قوة البيشمركة بالاسلحة والاعتدة وتخصيص وزارة خاصة بالبيشمركة ،على مدى اكثر من عقدين من تمتع اقليم كوردستان بشبه الاستقلال السياسي والاداري وتلقيها موارد مالية ضخمة من كافة الجهات سواء من ميزانيتها الداخلية او من ميزانية بغداد !! ثم هل ان البيشمركة كانت تمتلك ربع هذه الامكانيات عندما كانت تقاوم هجمات قوات صدام على مدى تاريخها النضالي، ولا حاجة هنا الى ذكر مدى ضراوة العمليات التي تعرضت لها البيشمركة طوال سنين مقارعتها للنظام الدكتاتوري.
منذ تعرض سنجار الى تلك الهجمة البربرية، فقد سارعت قوات حماية الشعب الى حماية ما تبقى من أهل سنجار، كما إن قوات حماية حماية سنجار بتشكيلاتها ومجاميعها المختلفة المرابطة في جبل سنجار لاتزال تقاوم داعش،وقد سطروا اروع ملاحم البطولة في الدفاع عنها. لكن للاسف فإن الامكانيات العسكرية لتلك القوات هي امكانات محدودة وبسيطة وهي بحاجة الى الدعم والمساندة، ومع ذلك فان قيادات الاقليم اختارت الوقوف موقف المتفرج على ذلك، ولم تبادر الى دعمها أو تسليحها بما لديها من اسلحة وقدرات عسكرية، لذلك فانه لايمكن تفسير ذلك سوى انه "غاية في نفس يعقوب"، أو انهم ارادوا التضحية بسنجار وتقديمها كـ (كبش فداء) لداعش مقابل الحصول على بعض المكاسب، فالسكوت المطبق لقوات الاقليم وحكومتها عن ما جرى في سنجار يدلل بما لايقبل الشك، على أنها - اي سنجار - تعرضت الى مؤامرة، معروفة الاهداف والنوايا، ولتحقيق اهداف سياسية واستراتيجية على المدى البعيد.
إن ميزانية إقليم كردستان هي اكبر من ميزانية بعض الدول القريبة من الاقليم كسوريا مثلاً. لكن الفساد الذي ينخر بجسد الاقليم ومؤسساته قد اضاع وبدد كل تلك الموارد، وبدلاً من تسخير موارد الاقليم وميزانيته الضخمة في توحيد وتقوية المؤسسة الدفاعية لمواجهة هكذا تهديدات، نرى بان تلك المؤسسة تعاني من التشتت والانقسام بين الجهات الحزبية في الاقليم وخصوصاً ( الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني ) الكوردستانيين، وكل واحد من هذين الحزبين يريد أن يستغل تلك المؤسسة لتقوية نفوذه وسلطته الحزبية ومصالحه الضيقة على حساب المصلحة القومية العليا. وهناك العديد من الدلائل والمؤشرات على ذلك، فمؤخراً، وعلى اثر الكارثة التي تعرضت لها سنجار، نرى حدوث خلافات اظهرتها التصريحات المتضاربة بين الحزبين حول آلية توزيع المساعدات العسكرية على البيشمركة . حيث يؤكد مسؤولون تابعون للاتحاد الوطني عدم تسلم البيشمركة التابعة لحزبهم أي قطعة سلاح، متهمين الحزب الديمقراطي بالاستحواذ على الأسلحة واحتكار المساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية، وهو ما يهدد بقلب التوازن العسكري بين الحزبين، وإذا لم توزع تلك الاسلحة بشكل عادل فان ذلك سيضعف الشعور بالاطمئنان كون ذلك يحمل معه عواقب كارثية.
الفرق إذن بين الحالتين (حالة كوباني وحالة سنجار) هي مسألة المبدأ والايمان بعدالة القضية والشعور بضرورة الدفاع عنها، حيث يرى الـ (ypg)وأهل كوباني بأن صراعهم مع داعش هو صراع البقاء او عدم البقاء، وليس لهم سبيل سوى الدفاع، لذلك نرى الجميع يدافع عنها دفاعاً مستميتاً ، ويضحون بكل ما هو غال ونفيس في سبيل ذلك، إذن فحتى لو سقطت كوباني - لا سمح الله- فانها ستسقط بشرف. أما في اقليم كردستان فإن الاحزاب تتصارع على تحقيق الانجازات والمكاسب الحزبية مهما كانت الوسيلة لتحقيقها، حتى لو كان ذلك على حساب المتاجرة بدم المواطن وروحه وعرضه وشرفه. وطالما كانت الغاية تبرر الوسيلة، فسيكون هناك بالتأكيد فارقاً كبيراً بين الحالتين ستكون هناك مواقف بطولية في احداها ومواقف خيانية في الاخرى

20141009

ليست هناك تعليقات: