بحث هذه المدونة الإلكترونية

رؤية في تشكيل المجلس الايزيدي الاعلى.

ديندار جيجو .
إن تشكيل المجلس الايزيدي الأعلى او محاولات تشكيله بالصيغة المبتورة التي تم الاعلان عنها تحمل في طياتها العديد من الأبعاد التي ستؤثر سلباً على الوضع الايزيدي الحالي. فقد كان الايزيديون ينتظرون أن تكون للضرورات والاسباب الموجبة الى تشكيل هذا المجلس دافعاً وعاملاً يؤدي الى قيام مجلس ايزيدي على اسس سليمة وصحيحة.
لقد كانت بداية الفكرة هو ضرورة تشكيل لجنة تحضيرية يراعى في تشكيلها عدة معايير من اهمها المهنية ومراعاة التوزيع الجغرافي للايزيديين سواءاً في العراق أو في خارجه، واعتماد مبدأ الحيادية من الناحية الحزبية والسياسية. ولكن المجلس بصيغته الحالية ، قد تجاهل كافة تلك المطالبات والاسس، لذلك فان هذا المجلس قد اصبح محل انتقاد لاسباب عدة:
- أسس التشكيل: المعروف بأن تشكيل المجالس كحد أدنى وتشكيل حكومات الدول كحد اعلى يرتبط بعوامل الزمان والمكان ويجب ان يكون متوافقاً معها، فما كان مناسباً لفترة زمانية معينة ولمكان معين، ربما لايكون مناسباً لفترة زمانية اخرى.
ففي العصر الحالي عندما تكون الديمقراطية العامل الحاسم في تحديد مدى أصحية او أحقية تشكيل معين، فان هناك مَن يحاول ان يزيح هذا العامل من طريقة تشكيل المجلس الايزيدي الاعلى..
إن الديمقراطية تعني بمعناها البسيط: ان السلطة للشعب يمارسها عن طريق ممثلين يختارونهم بكل حرية. فالمجالس التمثيلية يجب تكون نابعة من الشعب أي انها تبع من القاعدة الجماهيرية صعوداً الى قمة هرم السلطة .. أما فيما يتعلق بالمجلس المرتقب فقد اراد القائمون عليه الاستعانة بطريقة بالية عفا عليها الزمن واصبحت من مواضيع التاريخ السحيق في القدم واعتمادها لادارة أمور مجتمع في القرن الحادي والعشرين وما بعده. وبذلك فقد اراد القائمون على تشكيل المجلس العودة بالمجتمع الايزيدي وبعجلة زمنه الى تلك الفترة الزمنية التي كان فيها المجتمع مقسماً الى عدة طبقات (طبقة النبلاء وطبقة العامة، طبقة العبيد). فالنبلاء كانوا مفروضين على العامة فرضاً ولم يكونوا نابعين منه، وكانوا يحكمون ويقررون بما يعجهم وبما يتفق مع مصالهحم، وما على العامة الا التنفيذ دون نقاش. وهذا بالتاكيد ما لا يقبله عاقل في الوقت الحاضر.
من السمات الاخرى للعصر الحالي ومن عجائبه ايضاً هي المطالبة بالمساواة بين الجميع، فليس هناك سيد وليس هناك عبد له، بل ان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات. أما عندنا فان هناك من يريد خلخلة هذه المساواة وانكارها تحت يافطات ترغيبية غريبة كخلق واطلاق تسميات جديدة مثل (الوجهاء وقدوة المجتمع)، وبالتالي فان مفهوم المخالفة يدل على ان البقية هم في مستوى ادنى.
إن محاولة العودة للعشائرية والطبقية واحياء سلطتها في ادارة امور المجتمع هي بلاشك من العلامات التي تهدد وتعرقل عجلة التطور والتقدم وهي تشير الى مدى شدة الاختلال والازمة التي يعاني منها النظام الاجتماعي والسياسي في البلاد، والى مدى الازدواجية التي يعايشها هذا النظام. وطالما عانى المجتمع العراقي من المضاعفات التي نشأت من فقدان نظامه السياسي للشرعية، واضطرار ذلك النظام الى الاستعانة بحبل العشائرية وخلق الفوارق الطبقية لتقوية نفوذه على حساب المواطن البسيط. ولعل هناك العديد من الامثلة التي لاتخفى على القارئ الكريم، على كيفية استغلال النظام السياسي في العراق واستفادته من احياء العشائرية وكيف كان رؤوسائها يعتاشون على معاناة ومصائر البسطاء من ابناء البلد. وكيف كان النظام يقوم باستحداث وخلق أغوات ورؤوساء عشائر جدد لغايات سياسية وحزبية دنيئة كان يهدف اليها، فقد اصبحوا من ضمن التشكيلة الحزبية في المنطقة ومن مسانديها.
-شرعية المجلس: لانريد الخوض في تفاصيل شرعية المجلس من الناحية القانونية، ولكننا سنشير الى مسالة الشرعية الشعبية والواقعية للمجلس. فالمطالبات بضرورة تشكيل المجلس واهمية اتباع الاسس والوسائل السليمة في تشكيل المجلس هي كثيرة، ولكن لدى متابعة الالية والخطوات التي يقوم بها بعض اعضاء المجلس الروحاني لتشكيل المجلس نجد ان البعض من اعضاء الاول قد اهملوا كافة تلك الاراء والتوصيات، بل تم اختزالها باجراءات شكلية لذر الرماد في العيون.
الخشية هنا هو الا يكون الهدف من تأسيس المجلس هو خدمة الايزيديين وقضيتهم، بل على العكس ان يتم استخدام هذا المجلس الجديد على منوال المجالس والتشكيلات السابقة، حيث إن طريقة تشكيله توحي بان الاساس ليس خدمة الايزيدية بل ان هدفه الاساسي هو اخماد الطموح الايزيدي عن طريق اقناع وترضية اعضائه وكسب عطفهم بمختلف الوسائل ولكي يكونوا اداة لتمرير العديد من المخططات واضفاء الصفة الشرعية لتلك المخططات عن طريق ذلك المجلس. فكيف يمكن للمجلس ان يعطي الشرعية لتصرفاته وهو نفسه يفتقد الى الشرعية، فالمعروف بأن فاقد الشئ لايعطيه!!!
- التوقيت: لاشك بأن الظروف الحالية التي يمر بها الايزيديون هي ظروف صعبة واستثنائية لم يعشها الايزيديون على الاقل في القرن الحالي. فالايزيديون يمرون اليوم بفترة عصيبة جدا، حيث إن ثلثي ايزيدية العراق مهاجرون ونازحون عن مناطقهم التي اجتاحها ويسيطر عليها "داعش" ، كما ان جراح الايزيديون لاتزال تنزف دون وجود علامات أو بوادر في الافق لايجاد حل لمشاكل مئات الالاف من الايزيديين، كما  يوجد جزء كبير من الايزيديين حالياً في دول اخرى خارج العراق، اضافة الى الايزيديين المتواجدين اساساً خارج العراق. ومن ملامح المرحلة ايضاً هي انقسام الايزيديين من الناحية السياسية والجيوسياسية، لذلك فلابد ان يكون المجلس حاضناً وشاملاً لكافة الايزيديين بغض النظر عن توجهاتهم وافكارهم وارتباطاتهم الحزبية أو السياسية ومناطق تواجدهم. فمن الضروري اشراك الجميع في اي اجراء أو آلية لتشكيل المجلس اذا اريد ان يكون ذلك المجلس ممثلاً شرعياً لكافة الايزيديين.

الخشية هنا هو ان يتم استغلال هذه الظروف الاستثنائية لتشكيل المجلس الايزيدي الاعلى، والنتيجة ستكون ولادة مجلس بطريقة مشوهة ومبتورة وغير طبيعية لانه سيكون قائماً على أسس غير سليمة وغير حضارية ولن يكون شاملا لكافة الايزيديين، لذلك لن يلقى القبول والرضى ولن يلبي تطلعات وطموح الايزيدية.

ليست هناك تعليقات: