بحث هذه المدونة الإلكترونية

تطوير المجتمع المدني العراقي بإلافــادة مــن الــتــجــربــة الــيــابــانــيــة:


ديندار شيخاني
esvni2@hotmail.com
(ان من بين القوانين التي تتحكم في المجتمعات البشرية، هناك قانون يبدو اكثر دقة واكثر وضوحا من القوانين الاخرى: حتى يحافظ البشر على تمدّنهم، وليزدادوا مدنية، لابد لهم من فن انشاء الجمعيات، ولابد ان ينمو هذا الفن بالموازاة مع فرص المساواة بينهم). دي توكفيليُعد قطاع المجتمع المدني القطاع الثالث في المجتمع الى جانب القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص (الشركات)، حيث ان الجهات التي كانت تلعب دوراً رئيساً في القيام بالانشطة في المجتمع سابقاً هي القطاع الحكومي (العام) وقطاع الشركات الخاصة، ولكن حالياً بدأ قطاع المنظمات غير الحكومية الذي يقع في النطاق المتوسط بينهما، يلعب دوراً ناشطاً في المجتمع.وفي الوقت الذي كان يشهد العالم فيه نمواً متزايداً في ظهور المنظمات غير الحكومية (NGOs) او المنظمات غير الربحية (NPOs) فان المجتمع العراقي، ومن جراء سيادة ثقافة الرأي الواحد والحزب الواحد خلال سنوات حكم الانظمة السابقة التي توالت على حكم العراق، وخاصة خلال فترة حكم النظام المقبور، لم يعرف اي ثقافة للمجتمع المدني واي نوع حقيقي لمنظمات غير حكومية، وبعد 9-4-2003 شهد العراق ظهور العديد من المنظمات غير الحكومية. تعاني المنظمات غير الحكومية في العديد من دول العالم ومن ضمنها المنظمات العراقية من مشاكل متعددة، ومن اهمها : مشكلة نقص القدرات المالية، حيث ان غالبية المنظمات العراقية تعتمد في تمويلها على رسوم اشتراكات الاعضاء وما يقدم الى بعضها من اعانات مالية من بعض الجهات مثل الوكالات التابعة للامم المتحدة، اوالمنظمات الاجنبية او من بعض المنظمات الدولية المانحة، واذا كان ذلك يساعد المنظمات من الناحية المالية الا ان ذلك لايقضي تماماً على جميع المشاكل التي تعانيها منها المنظمات، فمن الضروري ايجاد آلية لتنمية المجتمع المدني العراقي والنهوض بمنظماته بالافادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال مثل التجربة اليابانية.فمن خلال اطلاعنا الميداني على واقع تجربة المنظمات غير الربحية اليابانية تبين لنا بان التجربة اليابانية هي تجربة حديثة النشأة، فالظهور الفعلي والحيوي للمنظمات اليابانية في المجال الداخلي وازدياد عددها كان في عام 1995.حيث يطلق عليها اسم (المنظمات غير الربحية NPOs) تمييزاً لها عن المنظمات الربحية (شركات القطاع الخاص)، بينما مصطلح المنظمات غير الحكومية يطلق على المنظمات التي تعمل في مجال التعاون الدولي. عندما ازداد عدد المنظمات اليابانية بشكل واضح في تسعينيات القرن الماضي وخصوصاً بعد حدوث زلزال (هانشين اوازي) في مدينة كوبي عام 1995، بدأ في عام 1996 العمل على تقوية هذه المنظمات وتنميتها من خلال انشاء (مراكز مساعدة المنظمات غير الربحية) في كل انحاء البلاد، ومنذ عام 1996 وحتى 2005 تم فتح اكثر من 200 مركز مساعدة، وهذه المراكز في البداية كانت تصنف الى مجموعتين:الاولى: مجموعة المراكز التي اسست من قبل المنظمات المدنية وتدار من قبلها.والثانية: مجموعة المراكز التي اسست من قبل الادارة العامة (الحكومة) وتدار من قبل الادارة نفسها. فمن ميزات المجموعة الاولى انها اكثر دراية بما تحتاجه مناطقهم من خدمات لذلك فهي تقدم المقترحات بخصوص المشاريع التي تحتاجها هذه المناطق، ورغم تنوع اعمال مراكز المجموعة الاولى الا ان حجمها صغير بشكل عام، لان من الصعب عليها الحصول على الاموال من رسوم الاشتراك والتبرعات بسبب عدم فهم المواطنين لطبيعة اعمالها، لذلك نرى ان وضعها المالي غير مستقر دائماً.اما المجموعة الثانية فان لديها الامكانات المالية ولكن تنقصها الخبرة والدراية بما يحتاجه المجتمع من خدمات. وبالتالي فمن اجل الافادة من نقاط قوة كل صنف من هذه الاصناف، فقد تم تأسيس مراكز للمساعدة من قبل الادارة وتدار من المدنيين، او ان الادارة تنشىء وتمول هذه المراكز اما ادارتها فتناط بالموظفين العموميين الى جانـــب المدنيين.ان هذه المراكز تقدم مساعدات شاملة لانشطة المنظمات الطوعية التي تخدم المجتمع ولاتهدف الى كسب الارباح، ومن ضمن هذه المساعدات هي:ـ توفير اماكن واجهزة لممارسة الانشطة من قبل المنظمات المختلفة (اماكن تجمع المتطوعين، غرفة الاجتماعات، آلات طباعة، الدواليب وصناديق بريدية خاصة بكل منظمة، مطالعة الكتب واعارتها، وتخصيص اماكن خاصة بكل منظمة لنشر نشاطاتها في وسائل الاعلام المختلفة (الانترنت - الصحف وغيرها) .... الخ.ـ تقديم الاستشارات للمنظمات من قبل مستشارين متخصصين، مثل المسائل القانونية، كيفية انشاء المنظمات، وغيرها من الخدمات الاستشارية. ـ القيام بعملية التشاور بين المنظمات ومؤسسات الحكومة حول كيفية الحصول على المشاريع وتنفيذها.ـ تقديم خدمات الاغاثة والطوارئ عند حدوث الكوارث وذلك من خلال دعم المتطوعين القائمين باعمال الاغاثة والانقاذ. ـ تخصيص صندوق مالي لدعم انشطة المنظمات التطوعية. وتقوم المراكز بلعب دور الطرف الثالث في تنفيذ المشاريع المختلفة فعند حاجة الادارة العامة لتنفيذ مشروع معين فان هذه المراكز تقوم باجراء البحوث حول ماهية المشروع ومدى اهميته وضرورته للمنطقة، وذلك من خلال المنظمات الموجودة في المنطقة، وبعد التوصل الى قرار تقوم بنشره في وسائل الاعلام وتتم العملية بشكل علني وشفاف بحيث يكون بامكان المواطنين الاطلاع على هذه العملية في جميع مراحلها.اعتقد اننا بحاجة ماسة الى انشاء هذه المراكز عندنا نظراً للمهام الكبيرة التي يمكن ان تقدمها للمنظمات غير الحكومية وخصوصاً الصغيرة نسبياً، كما ان هذه المراكز تكون وسيلة لتنفيذ المشاريع من خلال المنظمات بتكلفة اقل مما يتطلبه تنفيذ هذا المشروع من قبل الشركات الخاصة وخصوصاً في مجال تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات: