بحث هذه المدونة الإلكترونية

نحو قانون يراعي المعايير الدولية في تأسيس المنظمات الغير الحكومية


نحو قانون يراعي المعايير الدولية في تأسيس المنظمات الغير الحكومية *
ديندار شيخاني **
تختلف دول العالم في تفاصيل النظم القانونية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية. وبما أن هذه المنظمات تعد من إحدى واهم مكونات المجتمع المدني وبالنظر لازدياد عددها ، فقد ظهرت واستقرت بعض المعايير والمبادئ في القانون الدولي والدلائل العالمية ينبغي أن تسترشد بها الدول عند قيامها بسن تشريع خاص بالمنظمات غير الحكومية . فقد ورد في المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة في 10/ 12/ 1948...

بأن لكل إنسان الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية ولا يجوز ارغام احد على الانضمام الى جمعية ما. اما المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 الف (د - 21) المؤرخ في 16 /12/ 1966، فقد اقرت بان لكل فرد حرية تكوين الجمعيات مع آخرين. ولا يجوز ان يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق الا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الامن القومي او السلامة العامة او النظام العام او حماية الصحة العامة او الاداب العامة او حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون اخضاع افراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق. وبخصوص المبادئ التي اكدت عليها الدلائل العالمية فانه يمكن ان نذكر الدليل الذي طرحه البنك الدولي عام 1997 حيث ان هناك عدة محاور يهتم بها هذا الدليل يمكن الاسترشاد بها عند تشريع قانون يتعلق بالمنظمات غير الحكومية واهم هذه المحاور:ـ1. العلاقة بين قوانين المنظمات غير الحكومية والقوانين الأخرى:- اذ يؤكد الدليل على أن تكون للمنظمات غير الحكومية نفس الحقوق والامتيازات التي تتعلق بالشخص القانوني وتكون خاضعة للإجراءات والعقوبات التي تنطبق على الشخص القانوني .2. التسجيل: فالقوانين يجب أن تضمن إجراءات التسجيل بوضوح وبما يحقق للعمل التطوعي الفاعلية بحيث تتم بإجراءات سهلة غير معقدة مع توفير امتيازات من عملية التسجيل كشخص قانوني، وان تكون مكاتب التسجيل أو جهة التسجيل في موقع ملائم للجميع حتى تكون حقوق التسجيل متساوية لكل الأطراف، ولابد أن يكون تسجيل المنظمة بشكل دائم وليس كل ثلاث أو خمس سنوات يعاد التسجيل كما يحدث في بعض الدول مثل الهند وكينيا.3. الهيكل التنظيمي وإدارة الحكم :- يتضمن ذلك نص القانون على توفير نظام أساسي يتضمن تفاصيل الهيكل التنظيمي للمنظمة (الهيئة العامة ومجلس الإدارة) والأهداف وقواعد التصويت عند اتخاذ القرارات .4. القيود على المنفعة الشخصية وهذه القيود هي: عدم توزيع الأرباح وعدم منح الرواتب إلا للعاملين على أن يكون تعويضا ملائما ومنع الحصول على منافع مباشرة أو غير مباشرة لأعضاء مجلس الإدارة ومنع التحويلات البنكية بين المنظمة وأي شخص مرتبط معها وأخيرا منع توزيع ممتلكات المنظمة في حالة تصفيتها على الأعضاء أو مجالس الإدارة.5. الأنشطة: حيث تؤكد المبادئ القانونية على السماح للمنظمات غير الحكومية بالانخراط في أنشطة اقتصادية قانونية أو أنشطة تجارية لدعم وتمويل الأنشطة غير الهادفة للربح بشرط عدم توزيع الأرباح على اعضاء المنظمة، وضرورة الحصول على ترخيص بالنشاط وان لاتكون تلك الانشطة اساس هدف المنظمة او الهدف الاساسي الذي نشأت من اجله المنظمة. كما يحظر على المنظمات ممارسة أنشطة الأحزاب السياسية.6. تدبير التمويل: يهتم هذا المحور بأهمية أنشطة تدبير التمويل للمنظمات غير الحكومية لتوفير الاعتماد على الذات ويحدد مبادئ فيما يتعلق بهذه العملية أهمها الإعلان والوضوح عن أهداف تدبير التمويل والمجالات التي تستخدم فيها والحصول على ترخيص مسبق من الجهة المعنية .7. التقارير: تعتبر التقارير التي تلزم المنظمة بتقديمها الى الجهة المختصة آلية مهمة جدا ومتاحة لتحقيق الشفافية والمحاسبية والتأكد من أن المنظمات غير الحكومية تقوم بأهدافها وأنشطتها وفقاً للقانون، مع التأكيد على أهمية توفير حماية محددة لهذه المنظمات وتعتبر المحكمة طرفاً مهماً لضمان الحماية. ويؤكد هذا المحور على مبدأ حق الجماهير في الاطلاع على التقارير خاصة تقارير منظمات النفع العام التي تحظى بدعم الحكومة وتمول من المجتمع. .8. الضرائب: ان إعفاء المنظمات من ضريبة الدخل الذي يرد إليها من اشتراكات وهبات ومنح ….الخ تعتبر من المبادئ الاساسية التي يؤكد عليها الدليل، والغالب في النظم القانونية في العالم الإعفاء من ضريبة الدخل بنسب معينة ، والمبدأ الثاني هو حصول المانح على تخفيضات ضريبية أو إعفاءات وحدود الإعفاء تختلف فيما بين دول العالم بالنسبة لتبرعات الأفراد. وفي هذا الصدد فان منظمات النفع العام تكون مستهدفة اكثر للتمتع بمزايا ضريبية وفي معظم النظم القانونية - رغم انه لا يوجد تعريف محدد للنفع العام - ولكن يركز القانون على أهداف ونشطات معينة يعتبرها محققة للنفع العام.9. المنظمات الاجنبية : ان أي منظمة مؤسسة في إطار قانون دولة أجنبية وتهدف الى تنفيذ برامج وانشطة في دولة أخرى يجب أن تعمل في إطار قوانين الدولة التي توجد فيها ، أن حصولها على إعفاءات أو امتيازات ضريبية يتوقف على حكومات الدولة المضيفة التي تنظر في الأمر وتقرره حالة بحالة ومن حق المنظمات الأجنبية تلقي وتحويل وصرف المنح في حدود قوانين الدولة المضيفة . بالنسبة للعراق فقد تم وضع أول تشريع للجمعيات بعد تأسيس الدولة العراقية عرف بــ (قانون تأليف الجمعيات) لسنة 1922 واستمر هذا القانون حتى عام 1954 حيث صدر بدلاً عنه مرسوم الجمعيات رقم 19 لسنة 1954 وبقي هذا المرسوم ساري النفاذ حتى صدور قانون الجمعيات رقم 63 لسنة 1955. وبعد قيام الجمهورية العراقية في عام 1958 تم إلغاء قانون الجمعيات رقم 63 لسنة 1955 و صدر قانون الجمعيات رقم 1 لسنة 1960 ، وفي العهد الدكتاتوري (1968- 2003 ) فقد صدر قانون الجمعيات رقم (13) لسنة 2000 . وقد عكس هذا القانون سياسة النظام التعسفية في تقييد حرية تأسيس وعمل الجمعيات ووضعها في نطاق ضيق جداً. وبعد سقوط النظام في 9/4/2003 عمد العراقيون على الانفتاح في هذا المجال فقد تكونت العديد من المنظمات والجمعيات أخذت طابع المجتمع المدني التي بدأت تنادي بأفكار ومفاهيم كان النظام السابق يمنع من مزاولتها داخل المجتمع العراقي، ومن اجل تنظيم عمل هذه المنظمات من الناحية القانونية فقد اصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الامر رقم (45) لسنة 2003. ونظراً لوجود العديد من السلبيات التي تكتنف هذا الامر، فقد عقدت المؤتمرات والندوات من قبل وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني ومن قبل المنظمات غير الحكومية لمناقشة هذا الامر وما يكتنفه من لبس وغموض، وقد خرجت هذه المؤتمرات بالعديد من المقترحات تتناول وضع الحلول لهذه السلبيات و قدمت العديد من المشاريع لقانون جديد ينظم عمل المنظمات غير الحكومية في العراق.أكد الدستور العراقي الدائم في المادة (39) على :( اولاً ـ حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، او الانضمام اليها مكفولة، وينظم ذلك بقانون. ثانياً ـ لايجوز اجبار احد على الانضمام الى اي حزب او جمعية او جهة سياسية، او اجباره على الاستمرار في العضوية فيها).كما جاء في الفقرة اولاً من المادة (45) من الدستور (تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الاهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون).و لمقتضيات مصلحة شعبنا وحقوقه المشروعة في ان تكون له منظمات مجتمع مدني مما يتفق والنهج الديمقراطي التعددي الفيدرالي للعراق الجديد وللقناعة في ان تاخذ هذه المنظمات دورها الفعال في كافة المجالات ولكون هذه المنظمات تعتبر وجهاً ناصعاً للديمقراطية وحاضنة لها ومن اجل ان تاخذ دورها الطبيعي والحقيقي في السير بالعراق الجديد الى مستقبل زاهر، فمن الواجب العمل على سن قانون خاص بالمنظمات غير الحكومية في العراق يراعي المعايير والمبادئ الدولية والعالمية التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية والدلائل العالمية والتي تضمن الحق لجميع المواطنين (رجالاً ونساءاً) حق حرية تاسيس المنظمات غير الحكومية. خصوصاً وان اهمية القانون تكمن في انه يمكن أن يمثل عائقا أو ميسرا للتطور ويعد من أهم آليات تهيئة البيئة والمناخ لعمل المنظمات. فالقانون يمكن أن يطور شراكة حقيقية بين المجتمع المدني والحكومي ويمكنه ايضاً أن يعمل على بناء الثقة المبادلة بين الطرفين ، كما يمكنه أن يشجع على الديمقراطية والتعددية السياسية ويمكنه أيضا أن يعوق التطور الديمقراطي.
* نشرت هذه المقالة في جريدة الصباح – العدد 961 الصادر في 17/10/2006

** كاتب وباحث عراقي في شؤون المجتمع المدني وحقوق الانسان
 esvni2@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: