بحث هذه المدونة الإلكترونية

بحث في الدستور


يتضمن هذا البحث العديد من المواضيع المهمة وهي

(1)
مفهوم الدستور

القانون هو مجموعة قواعد قانونية ملزمة مجردة تحكم علاقات الأفراد في المجتمع و كل جماعة مهما صغر حجمها تحتاج إلى القانون ، فلابد أن يكون للجماعة السياسية المنظمة قانون أعلى يحوي على قواعد تنظم كيفية ممارسة الحكم من قبل الحكام بالإضافة إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد وبيان حقوقهم وواجباتهم ، ويطلق على القانون الأعلى مصطلح القانون الأساسي أو قانون القوانين أو الدستور ، بيد أن المصطلح الأخير هو الشائع ، و كلمة الدستور هي الترجمة العربية المعاصرة للكلمة الإنجليزية CONSTITUTION)) ، و لهذه الكلمة في اللغة الإنجليزية معاني عدة منها : بناء القانون ، أو نموذج تنظيم الدولة والمجتمع ، أو مجموعة المبادئ والقوانين الأساسية التي تحدد قوة و واجبات الحكومة، وتضمن حقوقا معينة للمواطنين فيها، و في اللغة الكوردية فهي تعني ( الإذن أو الرخصة ) و كلمة ( دستور) هي كلمة فارسية استخدمها العرب و الفرس والترك ، وفي اللغة العربية لها معاني عديدة ، والمعنى الأكثر شيوعا هو القاعدة والنظام، وبخاصة قائمة القواعد والسلوك في النقابات. ،و يمكن القول بأن كلمة الدستور هي من المصطلحات السياسية التي يقترب فيها المدلول اللغوي من المدلول السياسي والقانوني إلى حد كبير ، أما في القانون فإن الدستور هو : مجموعة القواعد القانونية التي تبين وضع الدولة و تنظم السلطات فيها من حيث التكوين و الاختصاص و تحديد العلاقة بينها بالإضافة إلى تقرير ما للفرد من حقوق وواجبات . كان فلاسفة اليونان أول من تناول مصطلح الدستور بالمدلول السياسي ، و كان أبرزهم هو (أرسطو ) ، وإذا كانت بداية استخدام مصطلح الدستور كمفهوم سياسي قد بدأت في اليونان القديمة، إلا أن الاستخدام الحديث والمعاصر لهذا المصطلح قد ارتبط بنظريات العقد الاجتماعي والتطور الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا.
إن الدستور كمفهوم سياسي قانوني قد تطور عبر العديد من المراحل ، وتبعا لنتيجة الصراع في كل مرحلة وصولا إلى مرحلة الدستور الديمقراطي ، فقد أدى هذا إلى تبلور مجموعة من التقاليد الدستورية الأصلية التي صارت تحكم العمل السياسي في الدول الغربية ، خاصة وأن هذه التقاليد نابعة من واقع خبرة هذه المجتمعات ، الأمر الذي أدى إلى توفير الإطار الملائم للتطور الدستوري المستمر في هذه البلدان باعتباره أمراً طبيعيا ، وغير مفروض من خارج المجتمع .
لابد أن يحتوي الدستور على جملة من المبادئ يجري تفصيلها على نحو يلزم المشرع العادي بالتقيد بها من جهة، و أن تجد هذه المبادئ طريقها للتطبيق الكامل والنزيه من جهة أخرى، ومن أهم خصائص الدستور الديمقراطي والتي تبلورت عبر سنوات طويلة من الصراع بين أنصار إطلاق السلطة و أنصار تقييدها هي :
أ – احترام أحكام الدستور : قديما كانت السيادة تعنى الحق المطلق في الأمر دون قيد أو منازع. و نشأ هذا المفهوم للسيادة في ظروف خاصة في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص ، ألا انه في الممارسات الدستورية الديمقراطية المعاصرة ليس هناك حق مطلق غير منازع وغير مقيد يعطى لصاحبه الحق في إصدار الأوامر ، حتى الشعب لا يملك هذا الحق المطلق غير المقيد ، وإنما يمارس الشعب سلطاته بموجب أحكام الدستور وكل دستور ديمقراطي معاصر مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع وعقائد يجب مراعاتها . إن وضع هذا المبدأ موضع التطبيق يتطلب ضرورة انتخاب أعضاء السلطة التشريعية (البرلمان ) ، المناط بهم مهمة التشريع في ظل قيود الدستور ، بمعنى ألا تخالف التشريعات التي يضعونها أحكام ونصوص الدستور ،كما يتطلب ضرورة انتخاب المسؤولين عن السلطة التنفيذية المناط بهم دستوريا السيطرة على قرارات الحكومة وسياساتها، كما والقيام بمساءلة السلطة التنفيذية عن أداء مهامها وفقا لاختصاصاتها الدستورية .ب - مبدأ سيادة القانون : و يعني إن القانون هو أعلى سلطة في الدولة و لا يعلو عليه أحد ، إن تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع هو ما تتميز به الحكومة الدستورية الديمقراطية و من أجل تطبيق هذا المبدأ لابد من وجود ضمانات لاحترامه ، وتتمثل هذه الضمانات في وجود جزاء على مخالفة أحكام هذا المبدأ وأفضل أداة لتحقيق ذلك هي وجود هيئة قضائية تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والنزاهة والكفاية وتكون مهمتها إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون .وأبرز مظاهر هذا المبدأ هو ( مبدأ سمو الدستور)، ، أي انه لا يوجد أي نص أعلى من الدستور أو يساويه في المرتبة ، ومن ثم لا يجوز مخالفة أحكامه ، لذا يُطلق على الدستور مصطلح القانون الأساسي، أو قانون القوانين، تمييزاً له عن بقية التشريعات (القوانين والأنظمة)، فلكون الدستور أعلى مرتبة من القوانين فقد نشأ تبعاً لذلك: مبدأ سمو الدستور.
وينطوي سمو الدستور على سمو موضوعي وآخر شكلي:
ويتحقق السمو الموضوعي بالدستور لأنه يتضمن قواعد بشأن شكل الدولة ونظام الحكم فيها، والسلطات الثلاث ( التشريعية و التنفيذية و القضائية )، أي كيفية ممارسة السلطة ومصدرها، والعلاقة بين الحكام و الشعب ، إضافة إلى حقوق وحريات الأفراد.
أما السمو الشكلي فإنه يتضمن شكل وإجراءات وضع القواعد الدستورية، وهي طريقة أصعب من طريقة وضع قواعد القوانين العادية، وكذلك قواعد وطرق تعديل الدستور.
ويترتب على هذا المبدأ ، نتيجتين هامتين :1 - دعم مبدأ المشروعية القانونية ، من خلال أيجاد مرجعية دستورية تنبثق عنها القوانين وتقيد سلطة المشرع في إصدار القوانين .2 - التأكيد على إن الدستور يبين الاختصاصات وأنه على جميع سلطات الدولة أن تراعى اختصاصاتها الدستورية ، فلا تخرج عن إطار اختصاصاتها في الدستور .جـ - الفصل بين السلطات الثلاث وتحقيق التوازن فيما بينها :الدستور الديمقراطي يقوم على عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة ، وإنما يقوم على توزيع السلطات وتحقيق التوازن بين سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء ، بما يؤدى إلى عدم انفراد أي مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي بالسلطة ، و في نفس الوقت يحقق التعاون المطلوب بينها لتسيير العمل السياسي، ولذلك اقتضى نظام الحكم الديمقراطي أن يقوم الدستور بمنع الجمع بين السلطات ، و ضرورة قيام الدستور الديمقراطي بإيجاد مؤسسات تكفل عدم إلحاق سلطة بأخرى ، أو منع سلطة لسلطة أخرى من أداء اختصاصاتها المبينة بالدستور .د - ضمان الحقوق والحريات العامة :يتمثل هذا البعد للدستور الديمقراطي في توفير الضمانات اللازمة لممارسة الحقوق والحريات العامة ، وهو بعد مكمل لخصائص الدستور الديمقراطي ، ويعبر عن مميزاته ، ومن ثم فالدستور الديمقراطي يهتم بتوفير هذه الضمانات قدر عنايته بتحديد اختصاصات السلطات وضبط تصرف الحكام .هـ - تداول السلطة سلمياً :وهو مبدأ أساسي من مبادئ الدستور الديمقراطي ، فتداول السلطة بين القوى السياسية الشرعية ، أي المعترف بها قانونيا يجب أن يكون وفقا لنتائج الاقتراع العام ، وما تسفر عنه انتخابات ديمقراطية ، وعلى أحكام الدستور الديمقراطي أن توجد المؤسسات وتخلق الآليات اللازمة لذلك .

(2)
اهمية الدستور


للدستور أهمية بالغة في حياة الدول والشعوب، سواء من الناحية القانونية ، أو من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ،حيث يقع الدستور في قمة الهرم القانوني للدولة ، و تكمن أهمية الدستور في إنه يتناول أموراً هامة و ضرورية جداُ في الدولة ، إذ أن جميع دول العالم اليوم تملك الدستور( سواء كان مكتوباً أو غير مكتوب ) لأنه يحدد التنظيم السياسي للدولة ( الإطار الرئيسي لمكونات النظام السياسي) ، و تتعدد التعريفات التي قدمها فقهاء القانون الدستوري للدستور و لكنهم يجمعون على أن الدستور يتناول أموراً أساسية ، فهو يحدد طبيعة الدولة و شكل نظام الحكم فيها، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها الفكرية والسياسية، و يتناول الدستور السلطات الثلاث( التشريعية والتنفيذية والقضائية) من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها، و يُنظم الدستور الحقوق والحريات السياسية والمدنية سواء على صعيد الفرد أو مؤسسات المجتمع المدني ، وكلما تضمن الدستور في نصوصه على مبادئ حقوق الإنسان كلما كان أكثر ديمقراطياً ، و الأهم من ذلك تطبيق هذه النصوص ، فالنصوص التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ تعد نصوصاً معطلة .
فالدستور إذاً هو مجموعة من القواعد القانونية الأساسية التي تتناول أو تحدد :-
أولا – طبيعة ( شكل ) الدولة :
تنقسم الدول إلى الدول البسيطة ، و إلى الدول الاتحادية ( المركبة )، وتتميز الدولة البسيطة ببساطة تركيبها ، كما إنها تبدو وحدة واحدة في المجالين الخارجي و الداخلي، حيث تتولى هيئة واحدة إدارة شؤونها الخارجية ، وفي المجال الداخلي تتميز بوحدة النظام السياسي حيث يوجد دستور واحد يسري على كافة إقليم الدولة كما توجد سلطة تشريعية واحدة و سلطة تنفيذية واحدة وسلطة قضائية واحدة.
أما الدولة الاتحادية فإنها تظهر إلى الوجود بعد اتفاق عدد من الدول أو الأقاليم على قيام اتحاد بينهم ، وتختلف قوة هذا الاتحاد حسب توزيع السلطات بين سلطة الاتحاد و الدول أو الأقاليم المكونة للاتحاد ،كذلك حسب الشكل الذي يتبناه الاتحاد إذ أن هناك عدة أشكال للاتحاد ( الاتحاد الشخصي ، الاتحاد الحقيقي ، الاتحاد التعاهدي ، الاتحاد الفيدرالي ).
ثانيا – طبيعة ( شكل ) نظام الحكم
تقسم أنظمة الحكم من حيث الشكل إلى نظام حكم ملكي و نظام حكم جمهوري، ومن حيث صورة الديمقراطية إلى أنظمة دكتاتورية و أنظمة ديمقراطية (ديمقراطية مباشرة، وديمقراطية شبه مباشرة، وديمقراطية نيابية) ، ومن حيث تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث إلى : النظام الرئاسي و النظام البرلماني ونظام حكومة الجمعية و النظام المختلط .
1- تقسيم أنظمة الحكم من حيث الشكل ( ملكي وجمهوري)
يعتمد هذا التقسيم على كيفية تولي رئيس الدولة لمقاليد الحكم فيها، فإن كان طريق الوصول للسلطة هو الانتخاب اعتبر نظام الحكم في الدولة نظاما جمهوريا، وإن كان الطريق هو الوراثة اعتبر نظاما ملكيا ،و يحدد الدستور الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر فيمن يتولى مهمة الحكم والأسلوب الذي يجب إتباعه لتولي هذا المنصب .
فإن كان الذي يحكم هو الملك، فالدستور يحدد الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما حتى يكون ملكاً وهو يتضمن في هذه الحالة نظاماً لولاية العهد أو الخلافة، وإذا كان الذي يحكم هو الرئيس، يحدد الدستور الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما لكي يتولى هذا المنصب و أسلوب ترشيحه وانتخابه .
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد إلى إيضاح وتحديد كيفية ممارسته لمهمة الحكم.
2- تقسيم أنظمة الحكم حسب طرق تولي مقاليد السلطة :
حيث تقسم أنظمة الحكم إلى أنظمة دكتاتورية و أنظمة ديمقراطية ، فالأنظمة الدكتاتورية تتميز بعدة سمات منها : احتكار جميع السلطات بيد سلطة أو شخص واحد ، نظام الحزب الواحد وعدم الاعتراف بالتعددية السياسية و الحزبية ، حرمان المواطنين من التمتع بحقوقهم و حرياتهم الأساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية ...الخ. كما إن أساليب تولي الحكام لمقاليد السلطة في الدولة تقسم إلى الأساليب غير الديمقراطية و تشمل ( الوراثة ، الاختيار الذاتي ، القوة ) ، أما الانتخاب فيعتبر من الأساليب الديمقراطية لتولي السلطة.
و توجد ثلاث صور لممارسة الديمقراطية :
الديمقراطية المباشرة: وهي حكم الشعب نفسه بنفسه أو ممارسة سلطاته مباشرة دون ممثلين، حيث يجتمع المواطنون في اجتماع عام للتصويت على مشروعات القوانين و تعيين القضاة والموظفين و تصريف الشؤون العامة، وكان هذا النوع من الديمقراطية مطبقاً في المدن الإغريقية القديمة مثل دولة مدينة أثينا، ورغم أن هذا النوع من الديمقراطية يحقق السيادة الكاملة للشعب إلا أنه من الصعب تطبيقها في الوقت الحاضر خاصة بعد توسع الدول من حيث الكثافة السكانية والمساحة . و يقتصر تطبيقها في الوقت الحاضر في ثلاث مقاطعات (كانتونات) سويسرية لقلة سكانها وبساطة مشاكلها.
الديمقراطية شبه المباشرة: وهي عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة بجانب الهيئة النيابية المنتخبة من خلال عدة وسائل منها:
أ- الاستفتاء الشعبي عن طريق أخذ رأي الشعب في أحد الموضوعات المهمة، وقد يكون الاستفتاء دستورياً أي متعلقاً بالدستور، وقد يكون تشريعياً لأخذ رأي الشعب في أحد القوانين العادية، وقد يكون الاستفتاء سياسياً متعلقا بالشؤون السياسية.
ب - الاعتراض الشعبي حيث يحق لعدد معين من الناخبين الاعتراض على أي قانون تصدره السلطة التشريعية.
ج - الاقتراح الشعبي حيث يحق لمجموعة معينة من الناخبين التقدم بمشروع قانون إلى السلطة التشريعية.
الديمقراطية غير المباشرة (النيابية): وهي ممارسة الشعب لسلطاته عن طريق نوابه الذين ينتخبهم انتخاباً عاماً حراً مباشراً، وقد نشأ هذا النظام في إنجلترا ثم انتشر في بقية دول العالم، ويقوم هذا النظام على أربعة أركان رئيسية هي:
· وجود هيئة نيابية منتخبة ذات سلطة فعلية: حيث يشترط أن تتمتع هذه الهيئة بسلطات حقيقية في تسيير أمور الحكم في الدولة وإلا تحولت إلى مجرد مجالس استشارية.
· توقيت مدة العضوية:حيث يجب تحديد مدة معينة للهيئة وتحدد معظم الدساتير مدة العضوية من 3 إلى 5 سنوات.
· النائب المنتخب يمثل الأمة بمجملها : فالتمثيل لا يتجزأ حيث يجب ألا يقتصر تمثيل النائب على أعضاء دائرته فقط بل هو ممثل للأمة كلها.
· استقلال الهيئة النيابية عن الناخبين : حيث لا يخضع النائب لتعليمات الناخبين و لا يمكنهم ممارسة الضغوط عليه بعزله أو محاسبته أو غير ذلك.
3 - نظم الحكم حسب تنظيم العلاقة بين السلطات
تتم عملية ممارسة الحكم من خلال عدة مؤسسات تتمثل بالسلطات الثلاث( السلطة التشريعية ، السلطة التنفيذية ، السلطة القضائية ) و يحدد الدستور أسلوب تشكيل كل مؤسسة من هذه المؤسسات وتحديد وظائف كل منها وأسس قيام كل منها بوظائفها و تحديد العلاقة فيما بينهما، بمعنى علاقة الحكومة بالبرلمان والبرلمان بالحكومة وعلاقة كل منهما بالسلطة القضائية، وذلك بما يكفل الضمانات لانتظام سير العمل،و توضح الخبرة المعاصرة أن كل نظم الحكم في العالم بما فيها نظم الحكم المطلق، لها دساتير، إلا أن هذا لا يعنى أن كل الدول يوجد فيها نظام حكم دستوري، لذلك يجب أن نفرق بين دولة لها دستور ودولة لها نظام دستوري، فكل دولة أيا كان نظام الحكم فيها يمكن أن يكون فيها دستور ، ولكن الدولة لا يكون فيها نظام دستو! ري إلا إذا وجدت بها حكومة مقيدة لا مطلقة تتقيد فيها السلطات كلها بنصوص الدستور الذي يكفل الحريات والحقوق العامة .
و هناك عدة صور لممارسة السلطة السياسية تنشأ عنها تعدد طرق ممارسة الوظائف الثلاث ، فقد تنفرد هيئة واحدة أو شخص واحد بممارسة جميع هذه الوظائف فينشأ عن ذلك نظام حكم مطلق ، وقد يكون هذا التمركز مباشرا كما في الملكيات القديمة أو غير مباشر كما هو الحال في بعض الملكيات المعاصرة ويلاحظ إن تركيز السلطة في شخص الحاكم يتعارض مع المبادئ الديمقراطية ، فالدستور الديمقراطي يقوم على عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة ، وإنما يقوم على توزيع السلطات وتحقيق التوازن بينها ، بما يؤدى إلى عدم انفراد أي مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي بالسلطة ، ويحقق في ذات الوقت التعاون المطلوب بينها لتسيير العمل السياسي، ولذلك اقتضى نظام الحكم الديمقراطي أن! يقوم الدستور بمنع الجمع بين السلطات ، وعدم إلحاق سلطة بأخرى ،وضمان عدم منع سلطة لسلطة أخرى من أداء اختصاصاتها المبينة بالدستور .
هناك عدة نظم للحكم على أساس العلاقة بين السلطات في الدول الديمقراطية وهذه النظم هي نظام حكومة الجمعية والنظام الرئاسي و النظام البرلماني و النظام المختلط .
نظام حكومة الجمعية (النظام المجلسي)
ويقوم هذا النظام على أساس قوة السلطة التشريعية مقابل السلطة التنفيذية ، لأن السيادة للشعب وممثليه، وعادة ما تكون الحكومة بمثابة لجنة منبثقة عن البرلمان، فالبرلمان يتولى المهام التشريعية ويعهد إلى لجنة خاصة منبثقة منه للقيام بالمهام التنفيذية تكون خاضعة له خضوعا تاما، أ! ي أن هذا النظام يتميز بخاصيتين هما تركيز السلطة في يد البرلمان، و تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان، ولا يصلح تطبيق هذا النظام إلا في الدول الجمهورية، و في الوقت الحاضر يتم تطبيق هذا النظام في سويسرا .
النظام الرئاسي
يقوم النظام الرئاسي على أساس قوة السلطة التنفيذية مقابل السلطة التشريعية و تأتي الصيغة الدستورية للنظام الرئاسي في أشكال مختلفة‏،‏ فكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وروسيا‏، وغيرها كلها نظم رئاسية ،‏ ولكنها مختلفة من حيث القواعد المنظمة لعلاقة سلطات الدولة مع بعضها البعض ، ‏و على العموم فإن هذا النظام يقوم على :
أولا: رئيس منتخب يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة
على هذا الأساس فإن هذا النظام يتميز بـ:
1 - لا يصلح تطبيقه إلا في النظم الجمهورية ولا يتماشى مع الأنظمة الملكية.
2 - يقف الرئيس على قدم المساواة أمام البرلمان، لأنه قد انتخب مثل البرلمان بواسطة الشعب، وهو ممثل الأمة في مباشرة رئاسة الدولة ورئاسة السلطة التنفيذية معا.
3 - لا يوجد فصل بين منصبي رئيس الدولة و رئيس الوزراء مثل ما هو موجود في النظام البرلماني .
4 - يقوم الرئيس باختيار الوزراء الذين يعاونونه في ممارسة المهام التنفيذية و هم لا يشكلون مجلس وزراء.
5 - يخضع الوزراء خضوعا تاما للرئيس وهم مسؤولون أمامه فقط.
ثانيا: الفصل بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية).
الفصل بين السلطات يعني أن تستقل كل هيئة بممارسة إحدى وظائف الدولة بحيث لا يمكنها التدخل في وظائف السلطات الأخرى لكن مع وجود بعض أشكال التعاون والتنسيق اللازم بينهم، أي أن هناك فصل من ناحية وتعاون من ناحية أخرى، و أهم صور الفصل بين السلطات هي:
1 - يستقل الرئيس بتعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم دون تدخل من البرلمان.
2 - لا يحاسب الوزراء أمام البرلمان ولا يجوز سحب الثقة منهم لأنهم مسؤولون أمام الرئيس فقط.
3 - لا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين أو التدخل في إعداد ميزانية الدولة.
4 -لا يملك رئيس الدولة حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي أو فض دورته أو حله، و لا يجوز للوزراء أن يحضروا جلسات البرلمان بصفتهم الوزارية كما هو موجود في النظام البرلماني5 - تستقل السلطة القضائية بممارسة وظائفها، حيث يتم اختيار القضاة من طريق الانتخاب ويتمتع القضاة بحصانة معينة وبنظام قانوني للمحاكم له ضمانات خاصة.
أما صور التعاون بين السلطات فتشمل حق الاعتراض التوقيفي لرئيس الجمهورية على مشروعات القوانين التي يقرها البرلمان مقابل موافقة البرلمان على تعيين كبار الموظفين في الدولة وعلى نفاذ المعاهدات التي تبرم مع الدول كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
النظام البرلماني:
ويقوم على أساس التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. فالبرلمان يستطيع سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها، كما أن الحكومة لها صلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات عامة، و تعتبر بريطانيا رائدة النظام البرلماني ومهد الديمقراطية الحديثة في العالم، ويتجلى ذلك من خلال عمق التجربة الديمقراطية في بريطانيا والاستقرار السياسي لنظام الحكم البرلماني ،وتمتاز بريطانيا عن غيرها من دول العالم، في أنها لا تملك دستورا مكتوباً وإنما يرتكز النظام الدستوري فيها على الأعراف والتقاليد والعادات الدستورية.
ويقوم النظام البرلماني على أمور عامة وأساسية متفق عليها بين كل الحكومات البرلمانية وهي:
أولا: ثنائية الجهاز التنفيذي بمعنى الفصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الوزراء.
ففي ظل الحكومة البرلمانية يكون هناك رئيس أعلى للدولة سواء كان ملكاً أو رئيساً منتخباً ويكون هناك رئيس للوزراء، إلا أن (رئيس الدولة) لا يملك سلطة حقيقية، وإنما تنحصر سلطاته بأعمال شكلية و(سلطته الدستورية) ضيقة جدا، فالرئيس أو الملك في العادة يسود ولا يحكم، مثال ذلك ملكة بريطانيا، والأعمال التي يقوم بها الرئيس تتمثل بالطلب من زعيم الأغلبية في البرلمان بتشكيل الحكومة أو قبول استقالة الحكومة إذا ما رأت تقديم استقالتها لأي سبب من الأسباب، واستقبال رؤساء الدول والسفراء الأجانب، وهي أمور شكلية وليس لها تأثير يذكر على السياسة العامة للدولة، فرئيس دولة إذن غير مسؤول سياسيا لا يتولى سلطات تنفي! ذية فعلية و لا يعتبر مركز ثقل في تسيير أمور الحكم في البلاد، ولهذا لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سواء كان ملكا أو رئيسا للجمهورية ولذلك لا يجوز انتقاده ، و رئيس الحكومة هو الذي يمتلك الزمام الفعلي للسلطة التنفيذية، حيث يختص بتعيين الوزراء بوصفه زعيم الأغلبية في البرلمان ولا يشاركه في هذا الاختصاص رئيس الدولة، وطبقا لكونه زعيم حزب الأغلبية، لذا فإنه يختار وزرائه من بين أعضاء حزبه الموجود في البرلمان ،أما إذا كان حزبه لا يحظى بالأغلبية المطلوبة في البرلمان، فإنه في هذه الحالة يكون مضطرا لتشكيل حكومة ائتلافية مكونة من عدة أحزاب حتى تستطيع حكومته أن تحظى بثقة البرلمان.
و الركن الأساسي في النظام البرلماني يتمثل بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و يعتبر هذا الركن هو حجر الزاوية فيه، و بدونه يفقد النظام البرلماني جوهره و تتغير طبيعته، وهذه المسؤولية على نوعين :1 - مسؤولية تضامنية بمعنى أن تكون الحكومة بمجموعها مسؤولة عن السياسة العامة أمام ال! برلمان، 2 - مسؤولية فردية بمعنى أن كل وزير مسؤول أمام البرلمان عن وزارته ،و نتيجة لمسؤولية الحكومة هذه أمام البرلمان يحق لهذا الأخير أن يسحب الثقة من الحكومة و يسقطها كما يحق سحب الثقة من أي وزير ليجبره على الاستقالة .
ثانيا: التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
1 - صور التوازن تشمل الآتي:
في مقابل حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة، يحق للحكومة أن تحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، و حل البرلمان يعني الاحتكام إلى الشعب، فإما أن يدعم الحكومة فينتخب نوابا مؤيدين لها، أو يدعم موقف البرلمان فينتخب نوابا معارضين لسياسة الحكومة ، و تمتلك الحكومة حق دعوة البرلمان للانعقاد و فض دورات انعقاده، و للوزراء حق دخول البرلمان لشرح سياسة الحكومة و الدفاع عنها.
2 - صور التعاون تشمل الآتي:
للسلطة التنفيذية حق اقتراح القوانين ،و من حق البرلمان تشكيل لجان للتحقيق مع الوزراء،و للبرلمان حق الموافقة على الميزانية السنوية للدولة.
و أخيراً فإن هناك نظم سياسية مختلطة وهي نظم تجمع بين أكثر من سمة من سمات النظم السياسية ولا تتقيد بالتقسيم الكلاسيكي الجامد للنظم السياسية كما هو الحال في ألمانيا.


(3)
أساليب نشأة الدساتير

لقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل: المرحلة الأولى حيث كان الملوك ينفردون بسلطة وضع وتأسيس الدستور وهو ما يطلق عليه أسلوب المنحة ، المرحلة الثانية وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة في هذه السلطة وهو ما يعرف بأسلوب العقد ، المرحلة الثالثة وهى مرحلة انفراد الشعب بسلطة وضع الدستور وهو أسلوب الجمعية التأسيسية ، والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستوري ( الاستفتاء الشعبي )، و في الحالات التي لا يباشر فيها الشعب بنفسه السلطة التأسيسية بل يوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة تضع مشروع الدستور ، فإنه لا يتحول إلى دستور إلا بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام . و تتباين أساليب نشأة الدساتير في الدول حسب ظروف النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها ، و يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه ، و يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن أساليب نشأة الدساتير تصنف إلى نوعين رئيسيين هما الأساليب غير الديمقراطية و الأساليب الديمقراطية ، و تعبر الأساليب غير الديمقراطية عن غلبة إرادة الحاكم على إرادة الشعب أو على الأقل اشتراك الإرادتين في وضع الدستور، و الأساليب غير الديمقراطية هي:
1 – أسلوب المنحة :في بداية نشأة الدول كان الحكام ( ملوكاً أو أمراء ) ينفردون وحدهم بتملك وممارسة السلطة ، وكانوا يقومون من جانبهم بإصدار الدساتير ،لذلك أطلق على هذا الأسلوب لوضع الدستور ( أسلوب المنحة) ، حيث يصدر الدستور بإرادة الحاكم صاحب السلطان والسيادة ، دون أن يشاركه أحد في هذا الإصدار، و يأتي الدستور في هذه الحالة من الأعلى ، أي ينزل من الحاكم على الشعب ، فالحاكم يوافق على التضحية بجزء من سيادته أو يوافق على تنظيم طريقة مزاولته لها، مثال ذلك الدستور الذي أصدره الملك لويس الثامن عشر ملك فرنسا في يونيو 1814 و دستور اليابان 1889 الذي منحه الإمبراطور للشعب .
إن هذا الأسلوب هو أسلوب قديم لوضع الدساتير و قد عفى عليه الزمن واندثر تماما،ً لما فيه من عيوب و ما توجه إليه من انتقادات، أهمها ، إنه يعطي للحاكم حق إلغاء ما أصدره ومنحه لشعبه من دستور ، لاعتقاده القوي بأن من يملك المنح يملك المنع ، كما أنه دليل على عدم تقدم الديمقراطية . ومع تقدم الديمقراطية في العصر الحديث فقد تراجع الأخذ بهذا الأسلوب في إصدار الدساتير ، حيث اندثرت في الوقت الحاضر جميع الدساتير الصادرة بها الأسلوب باستثناء دستور إمارة موناكو 1911.
و يمكن القول بأن الدستور المؤقت الذي تصدره حكومة معينة يعتبر من قبيل المنحة ، فقد يحدث أن يصدر إعلان دستوري مؤقت يسري تطبيقه إلى أن يتم وضع دستور دائم من قبل الهيئة المخولة بذلك، ثم إقراره من قبل الشعب في استفتاء عام، وهدف ذلك هو تحقيق نوع من الضبط لأداء وممارسة السلطة القائمة، ويعتبر هذا الترتيب جزء من ترتيبات مرحلة انتقالية.
2 – أسلوب العقد : وهي الطريقة الثانية من الطرق التي اندثرت و عفى عليها الزمن في وضع الدساتير ، حيث ينشأ الدستور في هذه الحالة بناء على اتفاق بين الحاكم والشعب واشتراك إرادتهما على قبول الدستور ، فالشعب يدخل في الأمر كطرف أصيل في هذا العقد، ويترتب على هذه الطريقة عدم استطاعة أي منهما( الحاكم أو الشعب ) إلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله إلا بناء على اتفاق الطرفين ، وبذلك يضمن الشعب عدم إقدام الحاكم على إلغائه أو تعديله، فالدستور هو نتيجة لاتفاق إرادتين في صورة عقد، و وفقاً للقاعدة القانونية - العقد شريعة المتعاقدين - فلا يجوز نقضه أو إلغاؤه أو تعديله إلا بإرادة طرفيه. وهذه الطريقة تفترض حدوث نوع من أنواع التطور على طريق التقدم الديمقراطي حيث يمثل هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام في الطريق نحو الحرية والديمقراطية ، إلا أنه لا يعتبر أسلوبا ديمقراطيا، وهذا الأسلوب فرضته الظروف الجديدة التي ظهرت بعد فترة من نضال الشعوب من أجل الحقوق والحريات العامة، وكسر شوكة الحكم المطلق و محاربة استبداد السلطة المطلقة المتمثلة في استبداد الملوك والأمراء وقادة الانقلابات العسكرية . ومن الدساتير التي وضعت حسب هذه الطريقة هو دستور دولة الكويت سنة 1962 وكذلك دستور دولة البحرين سنة 1973. وتوجه إلى طريقة العقد عدة انتقادات أهمها هو، إن الملك يعد في هذه الحالة مساويا للشعب مع أنه لا يقتسم معه حق السيادة ، وطالما إن السيادة للشعب ، فلا يكون له أن يشترك معه في إبرام عقد يحدد اختصاصاته واختصاصات ممثلي الشعب .


الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير
1 - أسلوب الجمعية التأسيسية :
تعد هذه الطريقة من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير ،حيث تعد أكثر ديموقراطية من الطريقتين السابقتين ،كما يمثل مرحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق ، ويصدر الدستور وفقاً لهذه الطريقة من الجمعية التأسيسية ، أو كما يطلق عليها اسم الجمعية النيابية التأسيسية ، والتي تنتخب بصفة خاصة من الشعب و يعهد إليها مهمة وضع و إصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ ، حيث يتاح للشعب فرصة انتخاب ممثليه ليقوموا بمهمة وضع الدستور ، وأول من أخذ بهذه الطريقة هي الولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها عن بريطانيا سنة 1776 كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دساتير الولايات و دستورها الاتحادي، و اعتمد رجال الثورة الفرنسية على هذا الأسلوب ،و اتبع هذا الأسلوب في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية ،مثال على ذلك ( فرنسا في دستور 1948) .
2 - أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري :
في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب ،و تعد أكثر الطرق ديموقراطية ، حيث يتم تحضير مشروع الدستور بواسطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام لأخذ رأى الشعب في مشروع الدستور ولا يصبح الدستور نافذا إلا بعد موافقة الشعب عليه.ومن الدساتير التي وضعت حسب هذه الطريقة دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة دستور 1946، والدستور المصري لعام 1956 والدائم لعام 1971 .
وقد تناول قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية طريقة و أسلوب كتابة مسودة الدستور الدائم للبلاد و عرضه للاستفتاء الشعبي وذلك في المادة الستون و المادة الواحدة والستون ) و على الشكل التالي:
المادة الستون:
على الجمعية الوطنية كتابة مسودة للدستور الدائم للعراق. وستقوم هذه الجمعية بأداء هذه المسؤولية بطرق منها تشجيع المناقشات بشأن الدستور بواسطة اجتماعات عامة علنية و دورية في كل أنحاء العراق وعبر وسائل الإعلام، وتسلم المقترحات من مواطني العراق أثناء قيامها بعملية كتابة الدستور .
المادة الواحدة والستون:
(‌أ)- على الجمعية الوطنية كتابة المسودة للدستور الدائم في موعدٍ أقصاه 15 آب 2005.
(‌ب) - تعرض مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة عليه باستفتاء عام. وفي الفترة التي تسبق إجراء الاستفتاء، تنشر مسودة الدستور وتوزع بصورة واسعة لتشجيع إجراء نقاش عام بين أبناء الشعب بشأنها.
(‌ج) يكون الاستفتاء العام ناجحاً، ومسودة الدستور مصادقاً عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر.
عند الموافقة على الدستور الدائم بالاستفتاء، تجري الانتخابات لحكومة دائمة في موعدٍ أقصاه 15 كانون الأول 2005, وتتولى الحكومة الجديدة مهامها في موعدٍ أقصاه 31 كانون الأول.
(‌ه) - إذا رفض الاستفتاء مسودة الدستور الدائم ، تحل الجمعية الوطنية. وتجري الانتخابات لجمعية وطنية جديدة في موعدٍ أقصاه 15 كانون الأول 2005. إن الجمعية الوطنية والحكومة العراقية الانتقالية الجديدتين ستتوليان عندئذ مهامهما في موعدٍ أقصاه 31 كانون الأول 2005, و ستستمران في العمل وفقاً لهذا القانون, إلا أن المواعيد النهائية لصياغة المسودة الجديدة قد تتغير من أجل وضع دستور دائم لمدة لا تتجاوز سنة واحدة. و سيعهد للجمعية الوطنية الجديدة كتابة مسودة لدستور دائم آخر.
(و) – عند الضرورة، يجوز لرئيس الجمعية الوطنية وبموافقتها بأغلبية أصوات الأعضاء أن يؤكد لمجلس الرئاسة، في مدة أقصاها 1 آب 2005، إن هنالك حاجة لوقت إضافي لإكمال كتابة مسودة الدستور. ويقوم مجلس الرئاسة عندئذ بتمديد المدة لكتابة مسودة الدستور لستة اشهر فقط ولا يجوز تمديد هذه المدة مرة أخرى.
(ز)- إذا لم تستكمل الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستور الدائم بحلول الخامس عشر من شهر آب 2005، ولم تطلب تمديد المدة المذكورة في المادة 61 (و) أعلاه، عندئذ يطبق نص المادة 61 (ه) أعلاه.
(4)
الرقابة على دستورية القوانين

في دولة القانون هناك تدرج للقوانين يطلق عليه التدرج التشريعي حيث تأتي القواعد الدستورية في المقدمة بسبب مبدأ علوية( سمو ) الدستور ثم تأتي بعدها القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المختصة والتي لابد أن تكون منسجمة مع القواعد الواردة في الدستور، و تليها بعد ذلك الأوامر الصادرة من السلطات التنفيذية والتي تصدر من الجهة المختصة قانونا ويلزم عدم مخالفتها للدستور والقانون وإلا تم الطعن بها بعدم شرعيتها أو عدم دستوريتها وتكون آثارها باطلة . إن الغاية الحقيقية من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لان ما يتضمنه الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين التشريعية و التنفيذية ، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
و يمكن القول بأن حماية الدستور من خلال الرقابة على دستورية القوانين هي أهم من إعداد الدستور و إقراره ، حيث تهدف هذه الرقابة إلى ضمان أن تكون كافة القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والأوامر الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة للدستور، فهي حارس على الشرعية القانونية وتحافظ على الحدود الدستورية للسلطات، ، كما تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وضمان سيادة القانون وكفالة العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي، وهي من الضمانات الهامة للحرية والديمقراطية ،و إذا أصاب الفساد جسم الهيئة التشريعية نتيجة الصراعات السياسية و الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم ، على عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق الإنسان إلى ابشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني ، فتكون الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون ، و يؤكد معظم فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، لذلك يلاحظ أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها ، وهذا يعني أيضاً بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك ،و هذا البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن تعدله ، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور .
تختلف الدول في تنظيم الرقابة على دستورية القوانين ، فبعض الدول تمنع الرقابة على دستورية القوانين بشكل صريح،مثال على ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921 ، إضافة إلى بريطانيا حيث إن نظامها يقوم على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى ما يمنحها القانون من صلاحيات في هذا الشأن ، حيث أن أشكال هذه الرقابة تتعدد وتختلف من نظام إلى آخر تبعاً لاختلاف التنظيم الدستوري لشكل هذه الرقابة وآلياتها ، فمنها من اعتمد أسلوب الرقابة السياسية ، ومنها من اعتمد أسلوب الرقابة القضائية ، كما يمكن أن تكون الرقابة شعبية والتي تتمثل في الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى و رقابة منظمات المجتمع المدني .
أولا : الرقابة السياسية على دستورية القوانين
تتمثل هذه الرقابة في قيام هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا بممارسة تلك الرقابة بناءً على نص دستوري يمنح تلك الهيئة السياسية ممارسة حق الرقابة على دستورية القوانين من خلال فحص القوانين قبل صدورها لتقرر ما إذا كانت تلك القوانين متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، إذن فهي رقابة سابقة على إصدار القانون ، و تعتبر الرقابة التي يمارسها (المجلس الدستوري ) في فرنسا أبرز مثال على الرقابة السياسية .
من الناحية التاريخية فإن المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية ظهرت في فرنسا سنة 1795 ، حيث اقترح الفقيه ( سييز ) إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور ، بيد أن الجمعية التاسيسية آنذاك لم توافق على هذا الاقتراح ، و عند إعداد دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد ( سييز ) وطرح اقتراحه مرة أخرى و استطاع إقناع واضعي الدستور بسلامة مقترحه ، وبذلك انشأ مجلس أطلق عليه (المجلس المحافظ ) وفقا لدستور السنة الثامنة ، تكون مهمته فحص مشروعات القوانين للتحقق من عدم مخالفتها للدستور، كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور سنة 1852 و عهد بمهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ ، بيد إن كلا المجلسين ( المجلس المحافظ و مجلس الشيوخ ) لم يوفقا في هذه المهمة بسبب سيطرة الإمبراطور عليهما حيث كان المجلسين أداة بيد الإمبراطور . أما دستور سنة 1946 فقد انشأ اللجنة الدستورية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين وكانت تتألف هذه اللجنة من ( رئيس مجلس الجمهورية ، رئيس الجمعية الوطنية ، 7 أعضاء ينتخبون من قبل الجمعية الوطنية على أساس التمثيل النسبي للهيئات السياسية ، 3 أعضاء ينتخبون من قبل مجلس الجمهورية بنفس الطريقة) ولا يجوز أن يكون هؤلاء الأعضاء من ضمن أعضاء البرلمان . أما دستور سنة 1958 فقد نص على تشكيل (المجلس الدستوري ) للقيام بمهمة الرقابة والذي يتألف من :( 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمعية الوطنية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس مجلس الشيوخ ، رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة ،ويتم تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية)، وتكون مدة العضوية 9 سنوات غير قابلة للتجديد و يتم تجديد ثلث المجلس كل 3 سنوات .
من مميزات الرقابة السياسية إنها وقائية فهي تسبق صدور القانون ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه لن يتم إصداره إذا كان مخالفا للدستور لذلك فهي تمنع حدوث الآثار التي تحدث لو كانت الرقابة بعد نفاذ القانون ، لكن الواقع أثبت عدم نجاح الرقابة السياسية في تحقيق الرقابة الفعالة على دستورية القوانين ويكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري على عدم ملائمة الرقابة السياسية وفشلها في تحقيق الغايات المرجوة منها بسبب إناطة مهمة الرقابة بهيئة سياسية ، حيث إن أعضاء الهيئة قد لا يكونون مكونين تكوينا قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ، كما أن الطابع السياسي لتشكيل هذه الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات و الميول السياسية وهو ما لا يتفق مع الهدف من هذه الرقابة ، حيث أن بعض الأعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية و آخرون من قبل المجالس النيابية ، إضافة إلى أن الدول التي تأخذ بهذا النوع من الرقابة قد حصرت حق الطعن في القوانين غير الدستورية بهيئات حكومية دون إعطاء هذا الحق للأفراد .
إن الكثير من الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة هي في الواقع تلك الدول التي حكمتها الأنظمة الشمولية كدول المعسكر الاشتراكي السابق ( الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا وبلغاريا ) والتي جعلت مهمة الرقابة من اختصاص البرلمان ، أو من اختصاص مكتب مرتبط بالبرلمان ، الأمر الذي يثير التساؤل حول الحكمة من جمع مهمة التشريع والرقابة على التشريع في جهة واحدة . و يعتبر النظام الدستوري الفرنسي هو أحد الإستثناءات القليلة في الأنظمة التي تبنت الرقابة السياسية ،خصوصا إن فرنسا تمثل أحد النماذج المثالية للأنظمة الديمقراطية، ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية تاريخية وسياسية تميزت بها التجربة الفرنسية، فمفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي طالما ساد لدى المشرعين الفرنسيين يتمثل في أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب وأن القانون هو التعبير عن هذه الإرادة وتبعاً لذلك لا يجوز أن تمارس أي سلطة أخرى الرقابة على إرادة الشعب ، كما أن رفض فكرة الرقابة القضائية في فرنسا يعود إلى أسباب تاريخية تمثلت في الموقف السلبي للمحاكم الفرنسية من الإصلاحات وتدخلها في أعمال السلطات الأخرى، حيث كانت المحاكم تعمل على عرقلة القوانين ووصل الأمر بهذه المحاكم إلى درجة الحكم بإلغاء القوانين، وقد تركت تصرفات هذه المحاكم آثاراً سيئة في نفوس الناس وعند رجال الثورة الفرنسية ، لذلك وضعت الثورة نصوصاً صارمة تحرم على المحاكم التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في أعمال البرلمان .
ثانيا : الرقابة القضائية على دستورية القوانين
هي الرقابة التي تمارسها هيئة قضائية تختص بالفصل في مدى دستورية أي قانون تصدره السلطة التشريعية، و ينطلق مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من فكرة حق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم المقررة بموجب الدستور، فوظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على قدر كبير من الأهمية ، كما تشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .
وهناك صورتان للرقابة القضائية على دستورية القوانين هما:
1 – الرقابة عن طريق الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في الأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة على مبدأ الرقابة القضائية إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً ومتوقعاً ومقبولاً لدى واضعي هذا الدستور و كانت بداية تطبيق المبدأ أمام محاكم بعض الولايات الأمريكية كولاية فرجينيا ، ومع أن المبدأ عرفته في البداية و أخذت به بعض الولايات الأمريكية قبل أن تأخذ به المحكمة العليا الفدرالية إلا أن المؤرخون يربطون بينه وبين أول حكم للمحكمة العليا قررت فيه تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في حكمها الشهير في القضية الرائدة ماربري ضد ماديسون في عام 1803م ، وقد ارتبط المبدأ باسم رئيس القضاء (جون مارشال) الذي يرجع إليه الفضل في إظهاره في حكمه في هذه القضية واعتبره البعض منشئا للمبدأ . حيث قال مارشال في حكمه في هذه القضية أنه (من واجب الهيئة القضائية أن تفسر القانون وتطبقه، وعندما يتعارض نص تشريعي أو قانون مع الدستور فإن السمو والبقاء يكون للدستور). و ليس للمحاكم الأمريكية أن تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن تطبيقه وإن حكمها في ذلك ليس ملزما للمحاكم الأخرى ، حيث يحق لها تطبيق القانون على اعتبار انه دستوري ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة العليا ، و ليس للمحاكم الاتحادية حق إصدار آراء استشارية و قد استقرت المحكمة العليا على هذا المبدأ منذ تأسيسها وحتى الآن ، فحينما قدم الرئيس (واشنطن) إلى المحكمة الاتحادية سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفسير المعاهدات المعقودة مع فرنسا لإبداء رأيها فيها ، أجابت المحكمة بأنها ( لا ترى من المناسب إعطاء رأي في أمور لم تنشأ عن قضية مطروحة أمامها ) . وهو ما يعرف بقاعدة "أن القاضي لا يستفتى" بمعنى أنه لا يجوز أن يطلب من القاضي إصدار فتوى، ذلك أن قيام القاضي بإصدار الفتوى هو تعبير عن رأيه في شأن ما قبل أن يعرض عليه النزاع وقبل أن يسمع دفاع الخصوم وحججهم وهو ما يعد إهداراً لحق الدفاع الذي يعتبر من أهم الضمانات المقررة للأفراد لدى ممارستهم حق التقاضي، و من المعروف أن قيام القاضي بالإفتاء أو تقرير رأي لمصلحة أحد الخصوم في الدعوى يعتبر من الأسباب المؤدية إلى عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ويكون بالتالي ممنوعاً من سماعها .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
الدفع بعدم الدستورية : إن المحاكم تمارس هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد طرفي النزاع تطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون و يطلق على هذه الطريقة طريقة الدفع الفرعي ولا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى قضائية ، فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . وفي هذه الحالة يكون اختصاص المحكمة بالتأكد من دستورية القانون قد جاء متفرعاً عن الدعوى المنظورة أمامها ،وعلى المحكمة النظر في صحة هذا الطعن، فإذا تبين لها إن القانون غير دستوري امتنعت المحكمة عن تطبيقه و تفصل في الدعوى بما فيه صالح المتهم أو المدعى عليه . إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة هي قضاء امتناع تقوم على نظام السوابق القضائية حيث تتقيد كل محكمة بالحكم الذي تصدره و تقيد به المحكمة التي في درجتها و المحاكم الأدنى منها درجة .
الأمر القضائي: وهي صورة من صور رقابة الامتناع و بحسب هذه الطريقة يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار إنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ القانون ، و يلاحظ إن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص محكمة اتحادية مكونة من 3 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة الاتحادية العليا .
ومن الصور الأخرى لرقابة الامتناع هو الحكم التقريري و بمقتضاه يحق للشخص أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم لا و في هذه الحالة لا يتم الفصل في الموضوع إلى أن يصدر حكم من المحكمة حول هذا الطلب . و تلاقي هذه الطريقة تأييداُ من الفقه الأمريكي ، لأن المحكمة تستطيع أن تعلن عن رأيها في دستورية أو عدم دستورية قانون ما حيث أن هذه الطريقة تنسجم مع الغاية من تخويل المحاكم سلطة الرقابة على دستورية القوانين .
2 - الرقابة عن طريق الإلغاء
وتتمثل هذه الرقابة في تشكيل محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد و يحق للمحكمة أن تحكم ببطلان القانون غير الدستوري بالنسبة للجميع ، أي إن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور و تجعله في حكم العدم ولا يجوز الاستناد عليه في المستقبل، وان لهذا الحكم حجية مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى في هذا القانون مخالفة للدستور . و يمكن أن تكون هذه الرقابة على نوعين ، رقابة إلغاء سابقة و رقابة إلغاء لاحقة . و طبقاً للنوع الأول يتم إحالة مشروعات القوانين إلى جهة قضائية مختصة ( محكمة خاصة ) لفحصها من الناحية الدستورية قبل إصدار القانون من قبل رئيس الدولة ، فإذا قررت هذه المحكمة عدم دستوريته تعين على السلطة التشريعية تعديله في حدود الدستور ، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد صدورها ، فإذا رأى الشخص بأن قانون ما غير دستوري فإنه يستطيع الطعن في هذا القانون أمام المحكمة المختصة التي خولها الدستور سلطة إلغاء القانون غير الدستوري دون أن ينتظر الشخص تطبيق القانون غير الدستوري عليه . و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في مسألة إعطاء الحق للأفراد في الطعن بدستورية القانون ، فدساتير بعض الدول مثل الدستور التشيكوسلوفاكي لسنة 1920 قد حصر هذه الحق بهيئات عامة ( المجالس التشريعية والمحكمة القضائية العليا و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة المختصة بالانتخابات ). كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة ومن هذه الدول ،دستور العراق لسنة 1925 ودستور النمسا لسنة 1945 ودستور إيطاليا لسنة 1947 .
تمارس ( المحكمة الدستورية العليا )عادة وظيفة الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين الصادرة أو مخالفتها للدستور، كما إن تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو أمر مهم جداً و تظهر أهمية هذه المحكمة بصورة واضحة في المجتمعات الديمقراطية حين يؤدي رئيس الدولة القسم أو اليمين عند انتخابه أمامها ويتعهد بأنه سيقوم بواجباته ويحترم الدستور والقوانين فأن حنث في اليمين تعرض للمسؤولية و أحالته للقضاء ومن هنا تظهر أهمية الدور المناط بهذه المحكمة في دولة القانون فهي صمام الأمان لاحترام القواعد الدستورية والقانونية من الحكام والمحكومين.
ثالثا : الرقابة الشعبية
لا يمكن إنكار الدور الهام الذي تلعبه جهات شعبية مختلفة مثل الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في الدول الديمقراطية ،حيث يطلق على الإعلام عادة(السلطة الرابعة )، لذلك يمكن أن تقوم هذه الجهات بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يمنح الدستور لهذه الجهات في بعض الدول الحق في الاحتجاج على خرق قانون ما لقواعد الدستور و الطلب إلى الأجهزة المختصة ( المحاكم الدستورية) لمعالجة هذا الخرق ، ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون ، وتبنت هذا الأسلوب دساتير كل من (ألمانيا و غانا و سلوفاكيا).
رابعا : رقابة منظمات المجتمع المدني
في ظل المجتمع المدني لابد من خضوع الحاكم والمحكوم للدستور والالتزام بالقواعد القانونية ،و تعتبر منظمات المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية هي العين الساهرة على المجتمع وعلى الدستور ، وتسمى هذه المنظمات بـ( السلطة الخامسة) حيث يقوم أفراد المجتمع من خلال هذه المنظمات المستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة بممارسة دورهم و حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطات العامة في الدولة وما تصدره هذه السلطات من قوانين و لوائح وتشريعات و مدى مطابقة هذه القوانين لمبادئ الدستور ، إذ تقوم منظمات حقوق الإنسان و منظمات المجتمع المدني المختلفة بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ،و يجب أن لا ننسى دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث تعتبر هذه الممارسات جزءا من العملية الديمقراطية ذاتها .

الحقوقي ديندار شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
05-05-2005

هناك تعليق واحد:

tarek allawendy يقول...

مقال رائع ومجهود وافر ومركز نرجوا اثرائنا بالتطبيقات العملية من واقع احكام المحاكم من خلال ترجمة المصطلحات القانونية الي مبادئ حاكمة للعلاقات والسلوك بين السلطة والافراد
وتفضلوا بقبول التقدير ؛؛؛؛