بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاستفتاء على مسودة الدستور العراقي - ماهو الاستفتاء



(1)
ماهو الاستفتاء

إن أسلوب الاستفتاء الدستوري هو نوع من أنواع ممارسة الشعب للسلطة بطريقة ديمقراطية، ونظراً لاهمية الدستور في حياة الدول والشعوب، لذلك فلابد من عرضه على الشعب لمعرفة رأي الشعب فيه، فالغاية من طرح مشروع الاستفتاء العام على عموم الشعب في موضوع جوهري من موضوعات الدولة، هو تأكيد حق سيادة الشعب في تقرير المسائل السياسية خاصة تلك الضرورية التي يُراد اتخاذ قرار خطير بشأنها.
هناك نوعين من الديمقراطية يمارسها المواطنون في عملية المشاركة في شؤون السلطة والحكم وفي المساهمة في صياغة القوانين في البلاد، وهذا النوعين هما الديمقراطية المباشرة والديمقراطية غير المباشرة (التمثيلية):
الديمقراطية المباشرة : هي نوع من الديمقراطية يتخذ فيها المواطنون القرارات بأنفسهم، وهي حكم الشعب نفسه بنفسه أو ممارسة سلطاته مباشرة دون ممثلين، حيث يجتمع المواطنون في اجتماع عام للتصويت على مشروعات القوانين و تعيين القضاة والموظفين و تصريف الشؤون العامة. وكانت هذه الديمقراطية مطبقة في اليونان القديمة، وخصوصاً في دولة مدينة أثينا في حدود سنة (500 ق.م ) واستمرت قرابة (200 عام ) وكان دستور أثينا يوكل الأمر إلى جماعة متكونة من ( 500) عضو يتم اختيارهم من أبناء البلد الأحرار على أساس (50) شخص من كل قبيلة من القبائل العشر المكونة للمجتمع الاثيني آنذاك وكان المواطنين يجتمعون في مجلس واحد ليناقشوا كل القضايا السياسية المهمة مناقشة مباشرة ويصدر المجلس قراراته بالأغلبية وكان يحرم من المشاركة في هذه العملية النساء والرقيق وكل من كان من اصل غير أثيني.
ورغم أن هذا النوع من الديمقراطية يحقق السيادة الكاملة للشعب إلا أنه من الصعب تطبيقها في الوقت الحاضر خاصة بعد توسع الدول من حيث الكثافة السكانية والمساحة، فلا يمكن تطبيقها إلا في المجتمعات الصغيرة جدا التي لا يوجد فيها عدد كبير من السكان، لذلك فإنه يقتصر تطبيقها في الوقت الحاضر في بعض المقاطعات (الكانتونات) السويسرية لقلة سكانها وبساطة مشاكلها.
الديمقراطية غير المباشرة (التمثيلية) : بما أن الديمقراطية المباشرة يصعب تطبيقها في الوقت الحاضر، فتم ابتكار نوع آخر للديمقراطية عن طريق انتخاب ممثلين للشعب يتخذون القرارات الرئيسية نيابة عن الشعب، فأصبحت القرارات تتخذ من قبل الممثلين المنتخبين في المجالس النيابية، الصغيرة نوعاً ما، حيث يمكن مناقشة السياسات والتصويت عليها بشكل أسهل من اجتماع الشعب بمجموعه.
فبعد قرون طويلة من نظام الحكم المطلق الذي ساد في أوربا ،حصل تطور مهم لفكرة الديمقراطية في القرنين السابع عشر و الثامن عشر، عندما بشر المفكرين بفكرة المساواة وطالبوا بحق الشعب في اختيار ممثليه الذين يمارسون السلطة فيختار الشعب حكومته ويشرف عليها عن طريق ممثليه، وكانت للأفكار التي أتى بها الفلاسفة(جون لوك) و(هوبز) و(مونتسكيو)و (روسو) دور كبير في نشر الأفكار الديمقراطية ، فالمعارك الأولى ضد الاستبداد جرت في بريطانيا و فرنسا، وبعد قيام الثورة الفرنسية التي كان من أهم أهدافها (الحرية والاخوة والمساواة) أصبحت فرنسا أول نموذج ديمقراطي معاصر كما نقلت أفكار الثورة الفرنسية بعد ذلك إلى أمريكا أبان فترة الثورة الأمريكية حيث اعتمدتها كأساس في دستورها لما فيها من مبادئ ديمقراطية وإنسانية متطورة ، هذا وقد أصبحت أفكار الثورة الفرنسية بعد ذلك من الدعائم الأساسية التي قامت عليها إعلانات حقوق الإنسان الوطنية والعالمية وأصبحت نصوصها إلزامية في دساتير الدول الديمقراطية .
بالنظر لصعوبة تطبيق نظام الديمقراطية المباشرة ، فقد تم استحداث نظام أو صورة جديدة من الديمقراطية المباشرة، يطلق عليها (الديمقراطية شبه المباشرة ) وهي عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة بجانب الهيئة النيابية المنتخبة من خلال عدة وسائل منها:
1- الاستفتاء الشعبي عن طريق أخذ رأي الشعب في أحد الموضوعات المهمة، وقد يكون الاستفتاء دستورياً أي متعلقاً بالدستور، وقد يكون تشريعياً لأخذ رأي الشعب في أحد القوانين العادية، وقد يكون الاستفتاء سياسياً متعلقا بالشؤون السياسية.
أ- الاستفتاء الدستوري: وهو الاستفتاء الذي يتم بخصوص الدستور من حيث الاستفتاء على كتابة دستور جديد، أو الاستفتاء على الغاء دستور قديم، أو تعديل مواد دستور بحذف بعض فقراته، أو الاستفتاء باضافة فقرات جديدة للدستور المدون. ففي الاستفتاء الدستوري على مسودة دستور جديد مثلاً، يتم طرح مسودة الدستور للاستفتاء الشعبي العام ليصوّت عليه الناخبون بـ(نعم) أو (لا)، بمعنى انهم يقررون إن كانوا يريدون الدستور أم يرفضونه. فهل سوف يصوت عليه بـ(نعم)، وبالتالي يكون مشروع الدستور مقبولا وملزما للجميع، أو بـ(لا)، وبالتالي يكون المشروع باطلا ليس له اثر .ولما كان الاستفتاء يعبر عن رأي المواطنين بشكل مباشر تزداد المطالبة بتوسيع تطبيقه لمعرفة رأي المواطنين بشكل مستمر. ومن الدساتير التي انتهجت أسلوب الاستفتاء الشعبي هو الدستور التركي 1982، الدستور الإيطالي 1945،الدستور المغربي لسنة 1971،الدستور الجزائري لسنة 1976 وقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، حيث جاء في المادة الواحدة والستون منه : ( ب- تعرض مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة عليه باستفتاء عام. ج- يكون الاستفتاء العام ناجحاً، ومسودة الدستور مصادقاً عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر).
ب- الاستفتاء القانوني: وهو الاستفتاء الذي يتم بخصوص تشريع قانون ما، يتعلق بموضوع حساس على درجة عالية من الخطورة، حيث تقوم الجهة الحكومية المخولة بعرض مسودة مشروع القانون الجديد على الشعب لمعرفة رأيه في الموضوع، فهل سوف يصوت عليه بالايجاب، وبالتالي يكون المشروع مقبولا وملزما للجميع، أو بالسلب، وبالتالي يكون مشروع القانون باطلا ليس له اثر .
ج- الاستفتاء الشخصي: وهو نوع نادر من الاستفتاء وهو الاستفتاء الذي يتعلق بشخص معين يراد تنصيبه كما حدث في حملة الاستفتاء التي جرت في العراق سنة1921 حول اختيار الامير فيصل ملكا على العراق.
إذن فحق الشعب في الاستفتاء قد يكون حقا دستوريا، أي أن الدستور وهو القانون الاساسي والأعلى في البلاد ينص صراحة على الزام السلطات التشريعية أو التنفيذية بعرض الموضوعات الخطيرة على الشعب والاحتكام إليه، تارة بالنص الصريح على تلك الموضوعات بالتحديد، وأخرى يلزم الدستور السلطات بالرجوع إلى الشعب دون تشخيص الموضوعات التي يرجع فيها، إنما تترك مسألة تشخيص ما هو ضروري وما هو غير ضروري للقائمين على السلطة، فهم يقدرون قيمة التشريع وخطورته، فإذا أقتنعوا بان موضوع البحث من الموضوعات الخطيرة التي ينبغي أن يساهم بها الشعب عرضوا الموضوع على الاستفتاء العام، وإن وجدوا أن لا حاجة إلى عرضه، لانه من الموضوعات التي تناط بالسلطة التشرعية او التنفيذية، يصار إلى حله ضمن التوافقات العامة. وقد يكون الاستفتاء شأن يقرره ممثلو الشعب في السلطة التشريعية والتنفيذية دون أن يأتي به نص دستوري، خاصة إذا ما حصل في الموضوع المطروح للنقاش خلاف حاد، ولا يمكن التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، فيصار إلى عرض مسودة المشروع على الاستفتاء العام، لان الاستفتاء طريق قانوني في تشخيص آراء المواطنين.
2 - الاعتراض الشعبي حيث يحق لعدد معين من الناخبين الاعتراض على أي قانون تصدره السلطة التشريعية.
3 - الاقتراح الشعبي حيث يحق لمجموعة معينة من الناخبين التقدم بمشروع قانون إلى السلطة التشريعية.


(2)
قانون الاستفتاء


أن عرض مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي لقبول الدستور أو رفضه هي عملية جديدة لم تشهدها الساحة السياسية العراقية، حيث كان الدستور العراقي يُدون ويُقر من قبل اجهزة الانظمة السياسية التي تستولي على الحكم، ولا يُرجع إلى الشعب إلا لأغراض إعلامية ودعائية.
نص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في المادة الواحدة والستين على أن تقوم الجمعية الوطنية المنتخبة بكتابة مسودة الدستور الدائم في موعدٍ أقصاه 15 آب 2005، ثم عرضها على الشعب للتصويت عليها باستفتاء عام، ويكون الاستفتاء ناجحا ومسودة الدستور مصادقاً عليها في حالة قبوله من قبل اكثرية الناخبين، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر، واذا رفض الاستفتاء مسودة الدستور الدائم، تحل الجمعية الوطنية، وتجري الإنتخابات لجمعية وطنية جديدة في موعدٍ أقصاه 15 كانون الأول 2005. وفي الفترة التي تسبق اجراء الاستفتاء، تنشر مسودة الدستور وتوزع بصورة واسعة لتشجيع اجراء نقاش عام بين أبناء الشعب بشأنها.
تم أعداد مسودة مشروع قانون الاستفتاء الأولية وتم تقديمها إلى الجمعية الوطنية، وتضمنت هذه المسودة سبع مواد دستورية، اختصت المادة الأولى في تعريف أربع مصطلحات هي قانون الإدارة الانتقالية، والفترة الانتقالية، والمفوضية العليا المستقلة، والحكومة العراقية الانتقالية. ونصت المادة الثانية على سريان مشروع قانون الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم، بينما حددت المادة الثالثة شروط من يحق له من المواطنين التصويت على الدستور، وهي ثلاثة:
أ- العمر: أن يكون تاريخ ميلاده في أو قبل 31 كانون الأول 1987 أي أن المصوت قد اكمل 18 عاما.
2- أن يكون مسجلا للإدلاء بصوته وفقا للأنظمة الصادرة عن المفوضية.
3- أن يكون عراقيا أو له حق المطالبة باستعادة الجنسية العراقية.
أما المادة الرابعة من مشروع قانون الاستفتاء فقد حددت شرطين لقبول نتيجة الاستفتاء:
1- الأول: موافقة أكثرية المصوتين في العراق.
2- الثاني: إذا لم يرفضها ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
بينما نصت المادة الخامسة على تحديد آليات عرض الاستفتاء، حيث حدد مشروع قانون الاستفتاء بعبارة (هل توافق على مشروع الدستور نعم / لا ) . ونصت المادة السادسة على الإجراءات التي تتخذها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. وأخيرا أشارت المادة السابعة إلى تاريخ النفاذ.
في جلسة الجمعية الوطنية التاسعة والثلاثين بتاريخ 13/ 7/ 2005 نوقشت مسودة قانون الاستفتاء هذه، وقد توصل أعضاء الجمعية إلى ضرورة وضع تعاريف للأسباب الموجبة لهذا القانون.
أقرت الجمعية الوطنية العراقية (مشروع قانون الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم) بعد تعديلات على بعض فقراته ومواده، حيث ضم القانون بعد اقراره ست مواد هي:
المادة الأولى: تجري عملية الاستفتاء على مشروع الدستور في يوم السبت الموافق 15/ تشرين الاول/2005 وذلك بابداء الرأي بالسوأل (هل توافق على مشروع الدستور؟) وتكون الإجابة بـ(نعم )أو(لا).
المادة الثانية: يتم التصويت على سؤال الاستفتاء عن طريق الاقتراع العام والسري والمباشر.
المادة الثالثة: يكون الشخص مؤهلا للتصويت في الاستفتاء عند توفر الشروط الاتية:
1- ان يكون عراقي الجنسية أو مشمولا بالمادة (11) من قانون إداة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
2- أن يكون تاريخ ميلاده في أو قبل 31/ كانون الاول /1987.
3- أن يكون مسجلا للادلاء بصوته وفقا للانظمة الصادرة عن المفوضية العليا للانتخابات العراقية المستقلة.
المادة الرابعة: يكون الاستفتاء ناجحا ومشروع الدستور مصادقا عليه عند موافقة اكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضه ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر.
المادة الخامسة: تتولى المفوضية العليا للانتخابات العراقية المستقلة تنفيذ عملية الاستفتاء ولها أن تصدر الانظمة اللازمة لذلك.
المادة السادسة: ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
رغم إن قانون الاستفتاء قد تضمن عدة أحكام جيدة عندما نص على نجاح الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم، بقبول أكثرية الناخبين أو المصوتين له، وهذا أمر جيد، لان تصويت جميع الناخبين أمر لا يتحقق من الناحية العملية لاختلاف المصوتين في وجهات نظرهم، إلا أن قانون قد احتوى على بعض السلبيات من أهمها، نص قانون الاستفتاء على شمول المواطنين البالغين والراشدين والمسجلين في مراكز الاقتراع بحق الاستفتاء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الاخرى، بينما كان من الأجدر أن تتشترك نسبة كبيرة من المجتمع العراقي لا سيما المقيمين في خارج البلاد.
ومن أجل نجاح عملية الاستفتاء على الدستور فإننا نقترح:
1- ضرورة إنشاء نظام استفتاء متطور يضمن أولا المشاركة الحقيقية للرأي العام، ويمنع التلاعب باصوات المستفتين. وأن تتم عملية الاستفتاء وسط جو من الديمقراطية والشفافية، بعيدا عن الضغوط .
2- أن يسبق عملية الاستفتاء إجراء حوارات ونقاشات، وندوات، ومحاضرات، وتوعية جماهيرية عالية. والسعي لتفهيم آليات التصويت والاستفتاء، بما يعزز دور المواطن في صياغة القرار السياسي، والقيام بحملة توعية واسعة بين مختلف شرائح المجتمع العراقي على آليات التسجيل والتصويت والاستفتاء، لكي يكون الشعب على قدر من الوعي لكي يساعد على إنجاح الاستفتاء، وان يعي ماذا يصنع.
3- وضع منظمات المجتمع المدني المختلفة، والأحزاب السياسية في مراكز الاستفتاء كمراقب محلي، بالإضافة إلى المراقبين الدوليين من منظمة الامم المتحدة مثلاً للإشراف على سلامة العملية الاستفتائية .
الحقوقي
ديندار شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
25-08-2005

ليست هناك تعليقات: