بحث هذه المدونة الإلكترونية

الانتخاب و الاستفتاء والديمقراطية


ديندار شيخاني
esvni2@hotmail.com
31-08-2005

يعتبر الانتخاب من الوسائل الديمقراطية لتولي السلطة وهي الركيزة الأساسية في عملية البناء الديمقراطي وهو حق يمارس بشكل عام في الدول الديمقراطية كما انه اصبح من السمات الأساسية للنظم الديمقراطية وبالتالي فلا يمكن اعتبار نظام ما ديمقراطياً ما لم تستخدم الانتخابات في اختيار الرؤساء وممارسي السلطة. ويراد بالانتخاب طبقاً للمفهوم الحديث ( قيام الشعب باختيار الأفراد الذين يباشرون السلطة باسمه)، كما يعرف حق الانتخاب باعتباره حق من حقوق الإنسان الأساسية (أن ينتخب الشعب نواب ليحلوا محله ويفوضونهم لفترة زمنية محددة ضمن إطار محدد لإدارة شؤون المجتمع ووضع السياسات العامة و القوانين التي تنظم العمل). اما الاستفتاء فهو عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة بجانب الهيئة النيابية المنتخبة عن طريق أخذ رأي الشعب في أحد الموضوعات المهمة، وقد يكون الاستفتاء دستورياً أي متعلقاً بالدستور، وقد يكون تشريعياً لأخذ رأي الشعب في أحد القوانين العادية، وقد يكون الاستفتاء سياسياً متعلقا بالشؤون السياسية. والاستفتاء هو نوع من أنواع ممارسة الشعب للسلطة بطريقة ديمقراطية، فالغاية من طرح موضوع جوهري من موضوعات الدولة على عموم الشعب في الاستفتاء، هو تأكيد حق سيادة الشعب في تقرير المسائل السياسية خاصة تلك الضرورية التي يُراد اتخاذ قرار خطير بشأنها.
إن العلاقة بين (الانتخابات والاستفتاء) والديمقراطية هي علاقة تبادلية، حيث أن وجود مجتمع ديمقراطي حر يؤدي بالمحصلة إلى قيام انتخابات حرة وشرعية، وإن الانتخابات الحرة والشرعية تولد حكومة ديمقراطية شرعية ولهذا لا يمكن فصلهما عن البعض فهما وجهان لعملة واحدة، فمهما كان نظام الحكم جيداً لا يمكن اعتباره ديمقراطياً إلا إذا كان المسوؤلين الذين يقودون نظام الحكم منتخبين بحرية من قبل المواطنين وبطريقة تعتبر حرة ومنصفة للجميع، هذا وقد تختلف آليات الانتخاب بين بلد وآخر ولكن الأمور الجوهرية تبقى واحدة لكل المجتمعات الديمقراطية والتي تكمن في أن كل المواطنين ذوي الأهلية لهم الحق في الاقتراع وحماية الناخبين من ممارسة أي نفوذ عليهم لدى ممارستهم حق الاقتراع وفرز وعد الأصوات بطريقة تتسم بالصراحة والصدق والشفافية، وينبغي بذل ما يمكن من الجهود لتحاشي حصول الأخطاء التي تتعرض لها عملية التصويت والفرز. وهكذا إذا حصلت مشكلة في هذا المجال أو كانت النتائج متقاربة جدا كما حصل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام (2000) سيدرك الناس انه رغم مثل هذه الصعوبات يمكن للنتائج أن تظل مقبولة وملزمة لهم.
ويعتبر(الانتخاب والاستفتاء) الركيزة الأساسية في عملية البناء الديمقراطي و يتطلب إجراؤها ضمان العديد من الحريات الأساسية، وهي كثيراً ما تكون أساسية على الطريق المودية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمعات ونيل الحق في مشاركة المواطن في حكم البلاد على النحو المعلن في الصكوك والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. إن الأسس الأزمة لضمان (انتخاب – استفتاء) ديمقراطي هي:
1- أن تكون عامة ومفتوحة بمشاركة جميع المواطنين دون أي تميز على أساس الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي ...الخ.
2- السرية: حيث لا يحق لأحد أن يطلع على كيفية إدلاء الناخب أو المستفتي بصوته.
3- المساواة في ممارسة حق الانتخاب أو الاستفتاء.
4- وجود مراقبين محايدين للتأكد من نزاهة عملية الانتخاب- الاستفتاء في جميع مراحل(التسجيل – فرز الأصوات ).
رغم أن هناك تشابه بين مفهومي الانتخاب والاستفتاء من حيث إن كل منهما يمثل آلية ديمقراطية في مساهمة الشعب في تقرير أمور الدولة والحكم، وأن كل منهما عبارة عن قيام المواطنين وفق شروط المعينة بالإدلاء بآرائهم في موضوع محدد وفي زمان معين، وتتولى الدولة تنظيم وتوضيح العمليتين من خلال القوانين والانظمة التي تصدرها، كذلك تتشابه شروط المصوتين في الانتخاب والاستفتاء، فعادة ما تكون الشروط المطلوبة في المصوت للانتخاب هي نفس الشروط المطلوبة للمصوت في الاستفتاء، والتي يطلق عليها (شروط الناخب أو شروط المستفتي) مثل شرط المواطنة بان يكون الناخب أوالمستفتي مواطنا للدولة، وشرط العمر بان يبلغ المصوت السن القانوني ليكون له حق الاشتراك في الانتخاب أو الاستفتاء، وشرط الرُشد بان يكون المصوت راشداً، فيستثنى المختلين نفسياً وعقليا، كما يحرم المجرمين الذين يرتكبون جرائم مخلة بالشرف وغيرهم من المشاركة في الانتخاب والاستفتاء بحسب القانون. وان يقوم المصوت بتسجيل اسمه ضمن مركز الاقتراع القريب من منزله أو محل إقامته، وبالتالي يستثنى المواطنين الذين لا يسجلون أسمائهم ضمن السجل الانتحابي أو الاستفتائي.
بالرغم من نقاط التشابه هذه بين الانتخاب والاستفتاء، فإن العملية الانتخابية تختلف عن العملية الاستفتائية في بعض الجوانب، لعل من أهمها:
1- في الانتخابات يجري انتخاب الأشخاص المرشحين لتولي منصب من مناصب الدولة، كانتخاب الأشخاص المرشحين لعضوية البرلمان وانتخاب الأشخاص المرشحين للحكومة وانتخاب القضاة، أو انتخاب أعضاء السلطات المحلية ومجالس المحافظات والبلديات، بينما يتناول الاستفتاء موضوع مستحدث، كالاستفتاء على مسودة الدستور الجديد أو الاستفتاء على مشروع قانون معين أو الاستفتاء على شأن سياسي مثل أخذ رأي الشعب في موضوع مصيري كتقرير مصير أقليم معين (انضمام إقليم أو انفصال إقليم عن دولة) أو تقرير صيغة علاقة الأقليم بالدولة .
2- أن الانتخاب يعني أن يختار الناخب بين المرشحين المتقدمين للحصول إلى منصب في الدولة، حيث يقوم الناخب بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك، وفق معايير يدركها الناخب، بينما يكون الاستفتاء بقبول المشروع المستفتى عليه أو رفضه، وذلك بكلمة نعم أو لا.
3- تجرى الانتخابات عادة في مواعيد زمنية محددة في الدستور أو في القانون الانتخابي، كأن يُجرى الانتخاب لكل اربع سنوات او خمس سنوات، بينما الاستفتاء لا يحدد بمدد دستورية او قانونية، لان موضوعه موضوع طارئ يتعلق بظرف معين.
وهناك نقطة مهمة أخرى يختلف فيها الانتخاب عن الاستفتاء وهي، إن الانتخاب يعتبر وسيلة رئيسية في ممارسة الديمقراطية غير المباشرة، بينما يعتبر الاستفتاء من طرق الديمقرطية المباشرة.
الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، وهي تعتبر من المسائل الحيوية التي شغلت ولاتزال تشغل الفكر الإنساني وهي مفهوم حديث نسبياً بالمقارنة مع تاريخ البشرية الذي يمتد لملايين السنين وقد شهدت تطوراً متصاعداً ومتعاقباً منذ أول نشوءها مع ازدهار الحضارة الإغريقية. فالديمقراطية في بداية ظهورها كانت ديمقراطية مباشرة، بمعنى إن المواطنين كانوا يشاركون في إدارة الشؤون العامة في الدولة بصورة مباشرة دون أن يختاروا أشخاصاً يقومون بإدارة هذه الأمور بالنيابة عنهم، وبالنظر لصعوبة استخدام الديمقراطية المباشرة في الوقت الحاضر، خصوصاً بعد اتساع الرقعة الجغرافية للدول وزيادة عدد سكانها، فقد تم استحداث طريقة جديدة يمارس المواطنون من خلالها حقهم في إتخاذ القرار في الأمور الرئيسية في الدولة وذلك بالاستفتاء عليها في استفتاء عام. أما في الانتخاب فإن المواطنون لا يشاركون مباشرة في تسيير وإتخاذ القرار في الأمور الأساسية بل إنهم يختارون أناساً يقومون بهذه المهام نيابة عنهم. وهذا يعني إن الاستفتاء يعتبر أكثر ديمقراطية من الانتخاب.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

جيد جدا