بحث هذه المدونة الإلكترونية

عين سفني ... المدينة المظلومة


عين سفني هي مركز قضاء الشيخان ،والتي تعتبر من الاقضية العراقية القديمة حيث أصبحت قضاءاً منذ اكثر من (80 ) عاماً ،وتبتعد عن مدينة الموصل شمالا حوالي (50) كيلومتراً. لقد ورد اسم (عين سفني ) و(شيخان) في العديد من المصادر التأريخية ، و كتب عنها العديد من الرحالة و الكتاب والباحثين ،سواء عن معنى اسمها والذي يعني بالآرامية (الاوتاد الخشبية)- و(الوتد) بالكوردية يعني (سبينه)-، او عن إرتباط اسمها بقصة (الطوفان) حيث لاتزال اثار عين الماء باقية لحد الآن و التي انفجرت منها مياه الطوفان ، او عن تاريخها حيث كانت مقراً للشيوخ والمتصوفة مثل (الشيخ آدي) وإرتباط تسميتها بالشيوخ الذين سكنوها، او عن الاماكن الأثرية فيها مثل (جروانة) و(خنس) و(معبد لالش) والتي تؤكد بأن (عين سفني ) كانت من الاماكن التي سكنتها الاقوام البشرية الأولى قديماً ، او عن الاديان والقوميات والعشائر التي سكنتها وتسكنها، او عن حملات البشعة التي تعرضت لها والحروب التي حدثت فيها نظراً للمكانة المتميزة لها و لدورها في الأحداث والتي جعلتها محل اهتمام القادة والفاتحين مثل (نادر شاه) و(ميرى كوره) و(الفريق عمر وهبي باشا) ، او عن مرور جيش (الاسكندر المقدوني) فيها والمعركة التي خاضها في منطقة (نافكور).
بالنظر لوجود هذه الكنوز الأثرية العظيمة في المنطقة فإنه يقع على عاتق المتخصصين بالآثار والتأريخ زيارة هذه المنطقة والتنقيب عنها للحفاظ على هذه الثروات من الضياع والفقدان.
وعلى الرغم من هذا الأرث التاريخي العظيم لها ، فقد عانت (عين سفني) من التهميش والإهمال من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة بدلاً من الاهتمام بها، فمنذ ستينات القرن الماضي لم يشهد القضاء أي إهتمام او إعمار وأنعدمت الحركة الثقافية والعلمية والحركة العمرانية والتجارية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فقد انتهك النظام البائد حقوق الإنسان وبشكل سافر في هذه المنطقة ،وانتهج سياسات شوفينية خطيرة في المنطقة وشن حملات الأنفال السيئة الصيت و مارس سياسة الأرض المحروقة والتهجير القسري والاهمال المتعمد وتغيير قومية الايزيدية الى العربية جبراً في تعداد عام 1977 ، فقد تعرض القضاء إلى سياسة التعريب والتي تمثلت بتهجير الكورد (الإيزيديين والمسلمين) من مناطق سكناهم ومن قرى آبائهم وأجدادهم وإسكانهم في مجمعات قسرية وتم مصادرة الأملاك والأراضي الزراعية لأهالي المنطقة وتم توطين بعض العشائر العربية محلهم وتم منح هذه الاراضي لهم، وفرض عليها طوق ورقابة أمنية جائرة حيث تنعدم فيها ابسط حقوق الإنسان و تحول القضاء إلى ما يشبه السجن يصعب الدخول إليه والخروج منه ، وكانت هذه السياسات الحمقاء تهدف الى تغيير الواقع التأريخي والجغرافي والسكاني في المنطقة و تقليل التواجد الكوردي وزيادة التواجد العربي في المنطقة ،وتم تسمية المناطق باسماء عربية وحتى ان وصل الأمر الى منع تسمية الشوارع والمحلات وحتى المواليد الجدد بأسماء كوردية .
اما الآن وبعد زوال نظام صدام عن رقاب العراقيين ، فقد زال النظام وبقيت آثار جرائمه وأعماله البشعة و خلف وراءه تركة ثقيلة من المشاكل والمصائب والخراب والدمار للعراقيين، و كبقية مدن العراق فإن قضاء الشيخان لم يسلم من ظلم الدكتاتور المقبور وآثار جرائمه النكراء. لقد استبشر أهالي المنطقة خيراً بزوال النظام عن رقاب العراقيين فقد دبت الحركة الثقافية والتجارية بشكل ملحوظ و يجري العمل لتطوير بعض المرافق الخدمية كالصحة والتعليم فيها ،بيد إن هناك الكثير من المشاكل المعلقة والمسائل الشديدة الأهمية والتي تحتاج إلى النظر إليها بعين الإهتمام والمعالجة الفورية ،فهناك الكثير من المتضررين من جرائم النظام السابق، وهذه دعوة الى المنظمات الخاصة بحقوق الانسان ومنظمات تعويض المتضررين الى زيارة القضاء والوقوف على الواقع الذي يعاني منه أهالي المنطقة وتعويضهم عن المعاناة والخسائر التي لحقت بهم ، فقد تضرر أهالي الشيخان كثيراً و حرموا من أراضيهم لأكثر من (40) عاما .كما ان القضاء بحاجة الى العديد من المشاريع والمرافق الخدمية .
إن معاناة أهالي الشيخان ظلت قائمة وخاصة مشكلة الأملاك و الأراضي الزراعية ، فالزراعة تعتبر مصدراً أساسياً لأهالي المنطقة ، لقد عادت بعض الأراضي إلى الملاكين الذين لهم سندات ملكية ولكن هناك قسم آخر من الأراضي الزراعية التي في داخل حدود بلدية الشيخان ومساحتها تقارب (1800) دونم لم تعود إلى أصحابها الذين تضرروا لعدم الإستفادة منها ، كما لم يستطع اهالي وفلاحي (عين سفني) الاستفادة من الاراضي الزراعية في الموسم الزراعي الماضي الذي مر دون زراعة هذه الأراضي ، نظراً لوجود عوائق ومشاكل هي من مخلفات النظام السابق . إن هناك الكثير من العوائل الفقيرة والمعدومة ليس لها مصدر معاشي سوى قطعة الأرض التي يزرعها . لقد ظلت مشكلة الأراضي الزراعية قائمة وها هو الموسم الزراعي الحالي على الأبواب دون أن يكون هناك بصيص أمل لحل المشكلة .
الحقوقي
ديندار شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني

ليست هناك تعليقات: